وقد مر أن المصريين إنما كانوا يقدسون الحيوانات لخواص فهموها فيها، وأن الذى فى كتب المؤرخين عنهم إنما هو أمور إشارية ملغزة كانوا يقصدون منها غير ما يظهر لنا من ألفاظها، وبالبحث والتفتيش مع طول الزمن ربما يعلم حقيقة ما قصدوه، وقد وجد فى كثير من المعابد والهياكل صورة النمس، وربما وجدت مصنوعة من المعادن، وتقديس أهالى الفيوم للتمساح لكونهم كانوا يعتبرونه مبشرا بالنيل، فكانوا يجعلونه علما على دخول النيل أرضهم، بمعنى دخول البركة والرخاء، ولم يعلم سبب تسمية هذه المدينة باسم هيرقليوبوليس إلا أن يقال: إنه مأخوذ من اسم هيرقول الذى كان معدودا من الطبقة الثانية من مقدسى المصريين، وكان علما على القوة الدافعة لجميع المضار عن أرض مصر الجالبة لخصوبتها.
وحيث إن النيل الذى به الخصوبة كان يطلق عليه إسم أوزريس، وكان هيرقول من رؤساء جيشه، كان ذلك الاسم دليلا على الخلجان المفرعة عنه الموجبة دخول المياه فى جميع الأراضى، سيما الخلجان المتطرفة المجاورة للصحراء المانعة رمالها من أن تدخل أراضى الزراعة فتفسدها، ومن أعظمها بحر يوسف، فسميت هذه المدينة بهذا الاسم لهذا السبب-انتهى- من بعض كتب الفرنج وكان بإهناس شجر النبق المغربى كما فى بعض كتب التواريخ، ولعله هو الذى عبر عنه المقريزى فى خططه بشجر اللّبخ.
وكان بجوارها دير على شاطئ النيل يقال: له دير النور فيه بناء مشرف مركب من خمس طبقات عالية جميلة الصناعة وجميع الدير مستور بحائط. وفى داخله أربعمائة نخلة متناسقة الشكل، وقد أخرج من تلال أهناس طوب كثير استعمل فى أبنية كثير من الكوهرجلات التى هناك، وفى جهتها البحرية على نحو ساعة ونصف. قرية سدمنت الجبل فوق الشاطئ الغربى للبحر اليوسفى بقرب الجبل، وعندها فى الجهة البحرية بالجبل دير عامر بالنصارى، وتمر فى قبليه سكة حديد الفيوم الخارجة من سدمنت يسافر بها فى الجبل ساعة ونصف، ثم ينزل على بحر قنبشة وبحر الغرق، ومن هناك إلى مدينة الفيوم مسافة ساعتين ونصف فى طريق فى أرض المزارع، وطريق الجبل تمر بين الجبل وبحر الغرق، لأن البحر ملاصق للحجر.