كاملة تعد نحو مائتى نفس، ولهم بها وظيفة القضاء والخطبة والإمامة وعقود الأنكحة والكيل والميزان، وكانت لهم رزقة بلا مال ولم يكن عليهم شئ مما على الفلاحين ولا لهم ٣٨ علائق عند حكام الجهات، وبقوا على ذلك إلى أن حصل ضعف/أكثر أهل الناحية عن فلاحة الأرض، وانكسرت عليهم أموال الديوان فرمى الحكام على هذه العائلة مقدارا من الأطيان وطلبوا منهم أموالها المنكسرة عليها، وضربوا عليهم بعض ضرائب، وشددوا فى خلاصها بالسجن والضرب كأسوة الفلاحين، فضاق خناقهم من ذلك لعدم اعتيادهم الإهانة وبعد بذلهم ما بأيديهم وبيعهم المواشى وأثاثات البيوت رأوا أن لا ملجأ لهم من ذلك إلا الفرار، ففارقوا البلد وتفرقوا فى البلاد فنزل والدى بقرية الحماديين من بلاد الشرقية وعمرى إذ ذاك نحو ست سنين.
وقبل رحلتنا كنت ابتدأت فى تعلم القراءة والكتابة على رجل من برنبال أعمى يسمى أبا عسر قد توفى بعد ذلك.
ولعدم إكرامنا بناحية الحماديين لم يطب لنا المقام بها، فلم نلبث فيها إلا قليلا وارتحلنا منها إلى عرب السماعنة بالشرقية أيضا وهم من عرب الخيش، ولم يكن عندهم فقهاء فأنزلوا والدى منزل الإكرام والإجلال، وانتفعوا منه وانتفع منهم انتفاعا كبيرا وصار مرجعهم إليه فى الأحكام الدينية، وكان رجلا صالحا ديّنا متفقها حسن الأخلاق فأحبوه حبا شديدا وبنوا جامعا جعلوه إمامه.
ولما ارتاح خاطره وارتاحت عنه الشدائد التفت إلى تربيتى، فعلمنى أولا بنفسه، ثم أسلمنى لمعلم اسمه الشيخ أحمد أبو خضر من ناحية الكردى-قرية بقرب برنبال، وكان مقيما فى قرية صغيرة قريبة من مساكن هؤلاء العرب، وجعل الوالد يرسل لى كفايتى عنده، وكنت لا أذهب إلى بيتنا إلا كل جمعة ومن خوفى منه كنت لا أعود إليه فارغ اليد، فأقمت عنده نحو سنتين فختمت القرآن بداية.