وبعد هذا الباب باب آخر أصغر منه، وكان الدهليز الفاصل بينهما مزينا بأعمدة أكثرها ملقى على الأرض قطعا. وعلى جميع جدرانه الكتابة والرسوم والنقوش، ثم إن أمام المعبد الكبير بايا مثل الأول تقريبا.
والمعبد المذكور مقفل من جميع جهاته، ولا يدخله النور إلا من الباب، والسطح وأعمدته وحيطانه مشحونة بالنقوش المختلفة وأغلبها لم تغيره الأزمان، وفيه محلات عديدة مظلمة لا بد للداخل فيها من استصحاب مصباح ليرى النقوش والكتابة، وفى داخله بعد مجاوزة ثلاث محلات الخلوة المقدسة، على جدرانها نقوش فى غاية الحسن، وفيها قبلة منحوتة من حجر واحد، عظيمة الأبعاد تدل هيئتها وما عليها من الرسوم على أنها كانت محل البلشق المعبود فى هذه الجزيرة.
ثم اعلم أنه طالما كانت فيلة ميدانا للحروب بين الفراعنة وملوك النوبة، وكانوا يتنازعونها لتكون حد مملكتهم. وأما فى عصر الرومان فكانت جزءا من الصعيد الأقصى على ما هو الحق، وكانت مستقر جنود رومانية المحافظين، وقيل كانوا الايا كاملا، وكان فيها كثير من النخيل، وكانت قبل ذلك عامرة آهلة ذات أوثان كثيرة وبرابى، أى هياكل قديمة، وكنيستين إحداهما لمارية العذراء والأخرى للبطرك مارى أناطاس، وكانت ذات بيوت محكمة البناء، وقد غلط من قال إنها إقليم مروة لا جزيرة وسط النيل، ولما دخلها الفرنساوية كان أغلب مبانيها متخربا مهدوما، وكانت منقسمة إلى قريتين أهلها فى غابة الفاقة، وكان بالجزيرة بعض نخيل كالموجود بها الآن، وكان يزرع فى بعض أرضها الخالية عن الصخور حبوب قليلة.
وبسبب ما حصل الآن من الهمة فى حفظ الآثار القديمة، وازدياد علائق الألفة بين الدولة الأوروباوية ومصر، ازداد عدد السياحين المترددين على الديار المصرية وأغلبهم يقصد الصعيد الأعلى ليشاهد الآثار القديمة، وآخر محطة يصلون إليها هذه الجزيرة، والمتوجه إليها من أسوان يسير فى البر إلى دير قيس، ثم يصل إلى الجزيرة بواسطة السفن، ووقت التحاريق يمكن المسافر أن يصلها من القرية المعروفة بالشلال.