العساكر عليهم، ففر الأهالى، وأمسك العسكر بعضا من فقراء نساء البلد وأخذوهن إلى طهطا محل إقامة الكاشف، فخاف الأهالى العار وخرجوا عليهم وأطلقوا منهم النساء، ثم أخبر العساكر الكاشف بما حصل وهوّلوا له الواقعة، ونسبوا أمر ذلك إلى العمدة المذكور، وهو فى الواقع برئ، فامتلأ منه الكاشف غيظا، ورفع الشكاية إلى أحمد باشا، وكبّر عنده الجريمة وأفهمه أنه رأس الفساد غليظ القلب غير منقاد إلى الأحكام، فأضمر له الباشا السوء وأهدر دمه، لما وقع فى قلبه من صدق الخبر، وكان من عادته أنه إذا أراد إنسانا بسوء أغار عليه وقتله، فأحس ذلك العمدة بتوعده، ففر من البلد بأبنائه الكبار وبقى كذلك مدة، حتى لقيه بعض أصحابه من العساكر، فحذره من الرجوع، وقال له عما قليل تحصل الإغارة على بلدتك لأجلك. فلم يمض إلا يسير حتى أرسل إليها الباشا أرطة من العبيد فأغاروا عليها ليلا، وأحاطوا بها إلى الصباح، وحضر الباشا صبيحتها، ودخل العبيد البلد فجمعوا كافة أهلها ذكورا وإناثا خارج البلد، وجرى فيهم الزجر على إحضار ذلك العمدة، وكان كثير من الناس مختفيا فى مطامير تحت الأرض، ففتن بعضهم على بعض فأخرجوا من المطامير وفيهم جماعة من مشايخها، فأمر الباشا بالتنشين على بعض المشايخ وأقاربهم فقتل منهم بالرصاص اثنين، وكان عازما على قتل كثير منهم إن لم يحضروا ذلك العمدة، فأغاثهم الله بالعسكرى الذى كان قد اجتمع به فى غيبته، فأخبر الباشا أنه رآه فى أقصى الصعيد وأن أهل البلد لا يعرفون مكانه، فعفا عن بقية الناس وخلى سبيلهم ورحل عنها بعساكره. وبقى العمدة هاربا مدة أشهر وليس فى منزله إلا النساء والأطفال، ثم إن أكبر أولاده عبد الرحمن خاف على الأموال والعيال، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فأخذ كفنه على رأسه وسافر إلى أحمد باشا، ودخل عليه فى بلاد ملوى، فقبله وأمره أن يعمر فى البلد مكان أبيه، ثم بعد مدة سافر أبوه أيضا بكفنه إلى الباشا ولم يتوسط إليه إلا بمقدمه وكاتبه، فلما دخل عليه عرفه وعفا عنه وعرف أنه كان متهما بالباطل وأعطاه الآمان، وكف عنه أذى الحكام. ثم بعد ذلك بقليل جعل حاكم خط فأقام كذلك أربع سنين وكان متجافيا عن الظلم حسن السلوك، إلا أن أولاده لم يسيروا بسيره بل تطاولوا على أهل البلد وأسرفوا فى أذاهم، حتى حمل ذلك