للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان إماما فى الكتابة وفى كل فن من العلم والأدب وهو من أهل الشام وجد مولى بنى عامر بن لؤى بن غالب وكان أولا معلم صبية يتنقل فى البلدان وعنه أخذ المترسلون وهو الذى سهل سبيل البلاغة فى الترسل ومجموع رسائله نحو ألف ورقة، قال له مروان يوما وقد أهدى له بعض العمال عبدا أسود فاستقله أكتب إلى هذا العامل مختصرا وذمه على ما فعل فكتب إليه لو وجدت لونا شرا من السواد وعددا أقل من الواحد لأهديته والسلام.

ومن كلامه القلم شجرة ثمرتها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة وكتب على يد شخص كتابا بالوصاية عليه إلى بعض الرؤساء فقال حق موصل كتابى إليك عليك كحقه علىّ إذ رآك موضعا لأمله ورآنى أهلا لحاجته وقد أنجزت الحاجة فحقق أمله ومن كلامه خير الكلام ما كان لفظه فحلا ومعناه بكرا.

ويحكى أن مروان قال له حين أيقن بزوال ملكه: قد احتجت أن تصير مع عدوى وتظهر الغدر فإن إعجابهم بأدبك وحاجتهم إلى كتابتك تحوجهم إلى حسن الظن بك فإن استطعت أن تنفعنى فى حياتى وإلا لم تعجز عن حفظ حرمتى بعد وفاتى فقال له: عبد الحميد إن الذى أشرت به على أنفع الأمرين لك وأقبحهما لى وما عندى إلا الصبر حتى يفتح الله تعالى عليك أو أقتل معك وأنشد:

أسرّ وفاء ثم أظهر غدرة … فمن لى بعذر يوسع الناس ظاهره

ولما قتل مروان اختفى عبد الحميد بالجزيرة فغمز عليه فأخذ ودفعه أبو العباس وأظنه السفاح إلى عبد الجبار بن عبد الرحمن صاحب شرطته فكان يحمى له طستا بالنار ويضعه على رأسه حتى مات، وكان من أهل الأنبار وسكن/الرقة، وكان ولده إسمعيل كاتبا ماهرا نبيلا معدودا من جملة الكتاب المشاهير وساير عبد الحميد يوما مروان بن محمد، على دابة قد طالت مدتها فى ملكه فقال له مروان قد طالت صحبة هذه الدابة لك، فقال يا أمير المؤمنين إن من بركة الدابة طول صحبتها وقلة علفها، فقال له فكيف سيرها، فقال همّها أمامها وسوطها عنانها وما ضربت قط إلا ظلما.