للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يزالون يهتمون بحفظ الجسور الواقية لتلك الأراضى من ماء المالح، والظاهر أن قطع جسر بوقير لم يكن لذلك السبب.

وإنما الذى يظهر أن تلك الجسور لما اعتراها الإهمال بعد ذلك من توالى الفتن والأهوال، سطا المالح على تلك الأرض وأخربها وشتت أهلها عنها.

والظاهر أيضا ذلك إنما حصل بعد انطماس فرع كانوب وتحول النيل إلى جهة رشيد ضرورة أن جفاف هذا الفرع وخلوه من ماء النيل أوجب حرمان هذه الأراضى منه وتلف كرومها ومزارعها وارتحال أكثر أهلها عنها ولما أهملت الجسور تسلط عليها المالح وخربت بالمرة وفى الروضة الزاهرة أيضا أن البحر الرومى جار على تلك الأراضى فى أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة ٧٢٠ إلى أن انتهى إلى آخر مريوط وأغرق بلادا كثيرة من بلاد البحيرة نحو خمسين قرية على ما قيل وأخرب خليج الإسكندرية وما كان حوله من البساتين والأشجار وارتدم الخليج وبقى ثلاث سنين لا يجرى فيه النيل واشتد الأمر على أهالى الإسكندرية وفرت منها أناس كثيرون إلى بندر رشيد وغيرها، وكادت تخرب، ثم إن الملك الناصر شرع فى سد البحر وأرسل مهندسين ومعمارجية وبذل لهم المال وأرسل معهم ينبك البدرى مملوك أبيه، وهو المباشر فى ذلك إلى أن سدّوه أوّلا بالأخشاب، ثم ردموه بالطين الأبليز من طين النيل.

وقيل إن الإبل التى كانت تحمل الطين ستة آلاف، ومكث سنتين فى سده مع جهد كبير وحصل فى ذلك الطاف الله تعالى لأنه كاد يهلك الإقليم الغربى، ثم إن الناصر محمد أمر أن يحفر خليج الإسكندرية من عند قرية تسمى الرحمانية على شاطئ النيل حتى انتهوا به إلى الخليج الأصلى فسمى الخليج الناصرى من ذلك الوقت.

قال ابن وصيف شاه: كان خليج الاسكندرية من الجانبين بساتين وأشجارا وقصورا متصلا بعضها ببعض من الاسكندرية إلى مدينة الكريود، قلت: وهى التى يقال لها الكريون الآن بالنون.

وكان أهل الإسكندرية عند مجئ النيل يطلعون إلى تلك الأماكن فيسكنون القصور التى على جانبى الخليج المحدقة بها البساتين شرقا وغربا، وبها دوالى العنب المعرشة والنخل وأشجار الجميز العظيمة وجميع الأشجار والفواكه، وفى زمن مجئ