به أدنى خلل، فلما اختلفت الأحوال وأهمل كثير من الأمور وأسباب العمار انشرم منه شرم فسالت المياه المالحة على الأراضى والقرى التى بين رشيد واسكندرية، وذلك من نحو ستة عشر عاما فلم يتدارك أمره واستمر خلله يزيد وخرمه يتسع حتى انقطعت الطرق واستمر ذلك إلى أيام وقعة الفرنسيس، فلما حضرت الإنكليز والعثمانية شرموه أيضا من الناحية البحرية لأجل قطع الطرق على الفرنسيس فسالت المياه على الأراضى إلى قريب دمنهور واختلطت بخليج الأشرفية، وشرقت الأراضى وخربت القرى والبلاد وتلفت المزارع وانقطعت الطرق حول الإسكندرية من البحر وامتنع وصول ماء النيل إلى الإسكندرية فلم يصل إليها إلا ما وصل من جهة البحر فى النقاير وما خزنوه من مياه الأمطار وبعض العيون المستعذبة فلما استقر العثمانيون حضر شخص من طرف الدولة يسمى صالح أفندى معينا لخصوص السد وأحضر معه عدة مراكب بها أخشاب وآلات وبذل الهمة فى سده فأقام العمل فى ذلك نحو سنة ونصف حتى قارب الإتمام، وفرح الناس بذلك غاية الفرح واستبشر أهل القرى والنواحى، فبينما هم كذلك إذ قامت الفتن بين المماليك والعثمانية وصارت المحاربة بين الفريقين فى عدة جهات، مثل رشيد وفارسكور ودمياط وحضر على باشا إلى ثغر الإسكندرية واليا على مصر، وخرج الأجناد المصرية لمحاربته واستولوا على برج رشيد وأخذوا السيد على القبطان أسيرا فخاف حضورهم إلى الإسكندرية فثلم ذلك السد ثانيا فرجع التلف كما كان وذهب ما صنعه صالح أفندى فى الفارغ بعد ما صرف عليه أموالا عظيمة.
وأما أهل الإسكندرية فإنهم انجلوا عنها فى المراكب وسافر بعضهم إلى أزمير وبعضهم إلى قبرس ورودس والبعض أقام بها وهم الفقراء والعواجز والذين لا يجدون ما ينفقونه/على الرحلة وعمّ بها الغلاء لعدم الوارد وانقطاع الطرق، وقيل: إن على باشا المذكور فرض عليهم مالا وقبض على ستة أنفار من أغنياء المغاربة واتهمهم أنهم كتبوا كتابا للبرديسى يعدونه، أنه إذا حضر يدلونه على جهة يملك منها البلدة بمعونة عسكر المغاربة وأخذ منهم مائة وخمسين كيسا، واجتهد فى حفر خندق حول البلدة واستعملهم فى حفره وفى عزمه أن يطلق فيه ماء البحر، ولو فعل ذلك لحصل به ضرر عظيم فقد أخبر من له معرفة ودراية بالأمور أنه ربما خرب إقليم الجيزة.