وكان له أربعة من المعيدين لدروسه فكنا ملحوظين بعين أحد المعيدين الشيخ جمال الدين أبى بكر مهانى، وكان من بلدتنا وقرأ مع أبينا ومات أيضا فى ثالث شوّال سنة سبع وعشرين فانتقلنا إلى درس الشيخ نجم الدين أبى عبد الله محمد المعروف بابن الخباز الموصلى فى المدرسة السيفية وقرأت عليه جزأ من وجيز الغزالى هذا كلامه، ولم يبين قدر المدة التى أقامها بالشام، ولكنه فى سنة اثنتين وثلاثين بعد الستمائة كان ببلده أربل وحضر على الفقيه أبى عمر عثمان السهروردى المعروف بابن صالح الملقب بتقى الدين الفقيه وقد سافر إلى الموصل عشر مرات للإجتماع بالعالم الشهير أبى الفتح ضياء الدين المعروف بابن الاثير أخى ابن الأثير المؤرخ ولم يجتمع به.
وفى سنة ثلاث وثلاثين انتقل إلى دمشق واجتمع بالملك الأشرف والملك الكامل فأقام هناك عشر سنين ثم تحول إلى مصر فأقام بالقاهرة واشتهر بها وجعل نائب قاضى القضاة بدر الدين أبى المحاسن يوسف بن حسن المعروف بقاضى سنجار قاضى جميع بلاد الأقاليم المصرية، وحكى المترجم المذكور أن صاحبه جمال الدين محمد بن عبد الله الأربلى المتفنن فى الموسيقى وغيرها حضر عنده بالمحكمة فى سنة خمس وأربعين وأقام عنده قليلا وخرج وإذا بخادمه قد رجع بورقة فيها هذه الأبيات:
يا أيها المولى الذى بوجوده … أبدت محاسنها لنا الأيام
إنى حججت إلى مقامك حجة الأ … شواق لا ما يوجب الإسلام
وأنخت بالحرم الشريف مطيتى … فتسربت واستاقها الأقوام
فطلبت أنشد عند نشداتى لها … بيتا لمن هو فى القريض إمام
وإذا المطىّ بنا بلغن محمدا … فظهورهن على الرجال حرام
فقلت للخادم ما الذى حصل لسيدك فقال: إنه لما قام من عندك لم يجد نعله فأعجبه كلامه وحسن تكنيته.
قال ولما اجتمعت به قلت له ان اسمى أحمد فقال كلا الاسمين بمعنى، وقد اصطحب المترجم فى إقامته بمصر بالوزير أبى الحسن يحيى بن مطروح وزير الملك الصالح نجم الدين أيوب، وفى سنة ثمان وأربعين أخبر أنه رأى فى منامه أنه حصل له