بينها وبين السوهاجية، وفيها كثير من شجر المقل وأهلها أكثر من عشرة آلاف نفس من عرب جهينة القبيلة المشهورة، ولهم كرم زائد وشهامة وفصاحة لسان، وذكاء فطنة وثبات جنان وهم الآن يساقون سوق الفلاحين، ولهم غنداق واسع من الأرض الخصبة ولهم خبرة تامة بفلاحة الأرض، ويقتنون جياد الخيل وفاره الحمر وعراب الإبل.
ومن عوائدهم فى الأكل مع الضيوف أو غيرهم أن لا يتركوا رغيفا مكسورا ويعدّون ذلك عيبا فمن كسر رغيفا فلا بد أن يأكله أو يعطيه لمن يأكله، بحيث لا ترجع السفرة برغيف مكسور، حتى فى وليمة العرس على كثرة الآكلين فإنهم يمدون سماط الوليمة على البرد بضم الموحدة وفتح الراء جمع بردة، وهى أحرمة تنسج ببلاد الصعيد من غزل الصوف الغليظ فتجعل فلقتين عرض كل فلقة نحو ذراع ونصف فى طول عشرة أذرع فأكثر ثم يخاطان ويكونان بردة زنتها نحو عشرين رطلا يتخذونها للغطاء والفرش لأنفسهم وضيوفهم، ففى وليمة العرس يفرشون عدة برد مستطيلة فى عرصة الدار صفّا صفّا، ويأتون بزكائب الرغفان فيفرغونها على البرد ويضعون مرق اللحم فى أوان من فخار غالبا أو نحاس ويجعلونها سطرا فى وسط الرغفان، ويجلس الناس للأكل صفوفا من الجانبين على كل بردة فيأكلون ويفرق عليهم اللحم الكثير من لحم فحول الجواميس والبقر والضأن والمعز وتلك العادة فى كثير من البلاد، إلا أن أهل جهينة ينقسمون أرباعا كل ربع يأتيهم منابهم من اللحم على حدة، ويفرّق عليهم قيمهم ولا يتركون رغيفا مكسورا وإذا جاءت طائفة فلا يخرج لها مما أخرج أولا فإنه لا يخلو من تلويث من الطبيخ، بل لا بد أن يخرج/طعام جديد ولو كان الأول باقيا على كثرته.
وفى جهينة هذه بيوت مشهورة سبقت لهم وظائف ديوانية فمن ذلك بيت البسة، كانوا مشايخ عرب تلك الجهات وكان لهم مرتبات غلال من شون الميرى كل سنة.
وبيت أبى عقيل كان منهم إسمعيل ناظر قسم ومن بعده ابنه محمد وكذلك أبو خبر، والحويج وغيرهم، فهى بلد ذات قدر عند الحكام والعرب.
وفى رسالة المقريزى (البيان والإعراب عمن بمصر من الأعراب): أن جهينة من قبائل اليمن وهى جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن إسحق بن قضاعة،