للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما أطلنا الكلام فى ذلك لما فيه من الفائدة (ولنرجع) إلى موضوعنا من الكلام على ما يتعلق بحلوان، فنقول: اعلم أن هذه المدينة قد أخذت فى التقهقر بعد زوال ملك الأمويين وتضعضع أمرها شيئا فشيئا حتى كانت الفتن فى القرن الحادى عشر فتخربت بالكلية.

وفى تاريخ الجبرتى أن إبراهيم بيك الملقب بشيخ البلد قد أحرقها فى سنة مائتين وألف، ثم لما جاءت العائلة المحمدية، هبت عليها نسمات العمارية، وعاد إليها شرخ الشباب كغيرها من بلاد القطر، وفى زمن المرحوم عباس باشا فى سنة ألف ومائتين وست وستين هجرية عثر فى شرقيها على عين الماء المعدنية، وأوّل من نبه على منافعها الحاذق الماهر جستنيل بيك الأجزائى وبالامتحانات والتجاريب التى أجراها هو وكثير من الحكماء علم أن مياه هذه العين نافعة فى علاج جميع الأمراض المحتاجة إلى التراكيب الكبريتية خصوصا الأمراض الجلدية والجدارية والنزل، والماء النابع منها فى غاية النقاء لا لون له كبريتى الرائحة مالح الطعم، وحرارته حين ينبع تسع وعشرون درجة مئينية وحرارة الهواء خمس وعشرون درجة كذلك، وقد رام المرحوم عباس باشا أن يبنى بها حماما فلم يتم له مراده.

وفى زمن الخديو إسمعيل باشا بنيت حمامات لطوائف الخلق ليكون للفقراء والأغنياء حظ من هذا الخير الجزيل، وبنى حولها أماكن للمترددين إليها للاستحمام والمعالجة، وترتب لها حكيم وخدمة لمباشرة المرضى ومعالجتهم على حسب أحوالهم، وترتب لها أيضا وابورات توصل إليها من يقصدها والآن عملت لها سكة حديد توصل إليها لزيادة السهولة وعملت طرق معتدلة من البحر إلى الحمامات المذكورة وحفت بالأشجار من الجانبين، وبهذه الوسائط هرعت إليها الناس من الملل المختلفة فيوجد هناك كل يوم عدد وافر من الناس جميعهم يثنى على الحضرة الخديوية لهذا الخير العميم.

وقد رتب لها فى سنة ألف وثمانمائة وإحدى وسبعين ميلادية الحكيم راير للنظر فى أمراض الواردين عليها، وبما حصل فيها من الإصلاحات والأعمال الخيرية بلغ الآن ما ينبع من العين فى مدّة أربع وعشرين ساعة أربعمائة متر مكعب بعد أن كان فى سنة ألف وثمانمائة وستين يبلغ أربعة أمتار وثلثا تقريبا.