اجتناء فوائدها خصوصا لما ثبت أنها جيدة النفع فى الأمراض المتسلط أغلبها على سكان القطر، وأنها قديمة الاستعمال لما ظهر عند حفر أساسات الحمامات التى أنشئت عليها من آثار الحمامات والأبنية القديمة المبنية بالخزف والأحجار التى كانت غالبا من زمن عبد العزيز بن مروان وقطع من أعمدة ومنارات منقوش عليها بالكتابة العربية ودراهم إسلامية وأحجار على هيئة المدى والرماح والقسى، مما كان يستعمل فى الحروب إذ ذاك وآثار أخر مثل قطع خشب متحجرة تدل على وجود غابة تحجرت فساعدت الحكومة السّنية إذ ذاك على تسهيل الوصول إليها والانتفاع بها، فتقرر أن يبتدأ بوضع محال من الخشب مؤقتة إلى بناء حمامات مستعدة ومعدة للمرضى، فوفد على تلك الجهة بعض المصابين من أهالى مصر والإسكندرية وحصل لهم النجاح.
وفى شوال سنة ألف ومائتين وثمان وثمانين توجه لمشاهدة هذه الينابيع صاحب الفخامة الخديوى السابق إسمعيل باشا وسر بما رأى من نفعها وصدر أمر بعمل رسم للمدينة، وأن يتجدد بها من العمارات الأولى ما لا يستغنى عنه، مثل وضع مجار لتوصيل ماء النيل للحمامات، وإنشاء طريق طوله ٤١٠٠ متر، يبتدئ من شاطئ النيل إلى حلوان، وطريق آخر طوله ١٣٠٠ متر يمتد من الجنوب للشمال، وفتح قناة تحت الأرض طولها ٢٤٠٠ متر لتصريف الماء الزائد عن الحاجة ورفع الأوساخ والأقذار، وإنشاء خان كبير للمسافرين (وهو الأوتيل) ودار صغير للمرضى، وأجزاخانة فيها ما يلزم من الأدوية، وحوض كبير يسع خمسة آلاف متر مكعب من الماء لاستحمام الفقراء وقد جعل حمامها مشتملا على مستحمات متنوعة، منها ما لا يستحم به إلا شخص واحد، ومنها ما يستحم به أكثر على حسب درجات الناس وكيفية الاستحمام بها مختلفة بحسب ما يراه الحكيم لأنواع الأمراض، فمنها ما هو كالمعتاد ومنها ما يكون بصب الماء على المريض بقوة مخصوصة من ارتفاع مخصوص على قدر مخصوص، وقد أنشئت هناك لوكاندة يجد فيها المريض ما يلزم له بحسب حاله، فإذا أقام فى أودة وحده يلزمه كل يوم جنيه إنكليزى فى نظير أكله وسكنه واستحمامه وتداويه، فإن أقام مع غيره فى أودة لزمه كل يوم خمسة عشر فرنكا فإن كانت مؤنته على نفسه لزمه كل يوم عشرة فرنكات، والطفل الذى بلغ سنه خمس عشرة سنه يلزمه نصف ما على الكبير.