وخبرة بالنسبة لمن تقدمه من مجموع شيوخهم وانفرد بالشياخة على جمعهم، وكانت له وقائع وحروب مع أمراء السلطنة فى الدولة الجركسية أربى فيها على عقل وافر شكرت به سيرته، وحسنت أفعاله وطريقته، فاستمر منفردا بالتقدم.
ثم لما ولى الأمير إسمعيل بن عامر أربى على جويلى فى الشياخة على قومه وتميز بدويرة ذات غرفة وساحة لمجتمعهم بناها ليكون شهيرا ببنائها بين بيوت الشعاب ومضارب الأطناب، وأثر بعض الآثار الحسنة، ونما ذكره بين قومه بالسيرة المستحسنة، ومن شعائر شياختهم لبس الشاش وإسبال لثامين وستر عنقه بهما، وما فضل يسدل على أحد الكتفين وإسبال الأحرمة الصوف فوق العمامة والثياب وملازمتهم لذلك الشعار عند إظهار الانتساب.
ولما نشأ الأمير عيسى بن إسمعيل المشار إليه فى هذه الترجمة وولى الشياخة بعد والده أظهر زيادة على ما فعله والده من الظهور فبنى منزله المشهور بالحوش، وجعله على خلاف نمط الفلاحة وإن كان يقاربه فى الشبه، بأن جعل به أحواشا عديدة، أكبرها أولها الذى جعله محلا لسائر الواردين عليه من أهل الخراج وغيرهم، وبنى به المقاعد التركية، والمبيتات والطباق والقاعات، ثم اشتهر بإكرام الواردين عليه وإطعام الضيوف فنما ذكره وبعدت همته وعظمت طريقته، وبنى مدرسة للمصلين وطاحونا لطحين خبز داره والواردين وفرنا يقابلها وحماما بديع الصفة للمتنعمين وبستانا حافلا نحو نيف وستين فدانا، جعل فيه من الغروس ما يطيب ذكره ويزهو منظره للناظرين، ودأب فى تنمية الخصال الحميدة التى يشاع ذكرها بين القاطنين والسالكين، ورتب رواتب من العسل والأرز وغير ذلك، لجماعات ترد عليه من أكابر أهل مصر وأصاغرها ممن اشتهر بطلاقة اللسان ومن أعوان الظلمة والمفسدين أو لمعنى لحظه فى الإعطاء أداه إليه اجتهاده فكان فيه من مقاصد المحسنين كما قيل فى ابن عباد:
لا تحمدن ابن عباد وإن هطلت … كفاه بالجود حتى أخجل الدّيما
فإنها خطرات من وساوسه … يعطى ويمنع لا بخلا ولا كرما
ثم قال وقد ضمنت البيت الأخير من هذين فقلت:
لا تغبطن لعيسى قط مكرمة … وإن بدت منه حتى أوسعت أمما