للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنما جوده قصدا توهمه … أو منحة لظلوم طال واحتكما

ومن خواطره تبدو مكارمه … لا بائس بأليم الفقر اصطلما

وإن نظرت إلى أفعاله أبدا … ترى جميع الذى أبديت منتظما

فإنما خطرات من وساوسه … يعطى ويمنع لا بخلا ولا كرما

ثم أطلق يده بالعطاء لباشوات مصر وحكامها وولاتها وظلمتها وبقدر المرتبة والمنزلة يكون التعيين وأداه اجتهاده أن يتصل عطاؤه وافتقاداته للباب السلطانى وللوزراء به، وأكابر ذلك الديوان وأصحاب العظمة به والشأن فنما ذكره بذلك وسلك بهذه الطريقة كل ما يريده ويقصده من المسالك وكاتب الوزير الأعظم من دونه ورقم على منحه وهداياه بتلك الديار الرومية يحبهم ويحبونه، فذكر بعد الفلاحة مع أعيان الأمراء ذوى الترفه والراحة ووصف بالكرم المفرط /والعطاء المزيد وقرب بإغداقه من أصحاب الخشية وما هو من الظالمين ببعيد، ثم قال: قد رأيت بحوشه فى أقاليم البحيرة قدرا كبيرا من النحاس الرومى طوله سبعة أشبار وعرضه كذلك، ذكر لى أنه جهزه إليه سليمن باشا لما كان وزيرا أعظم من القسطنطينية وكتب إليه أنه عمله له وصرف عليه بالجاه من حساب المعاملة القديمة ألفا وثمانمائة دينار ليكون بمنزله معدا للانتساب والافتخار وذكر لى من لفظه أنه طبخ فيه لجمعية كبيرة فى دفعة واحدة مرة أحد عشر رأسا من الجاموس ومرة من الغنم مائة رأس وعشرة، واعتنى بالأسباب الموجبة لحسن الذكر والصيت وانتشار ذلك عنه فى كل مراح ومقيل.

وحج فى عام خمس وعشرين وتسعمائة زمن ولاية الأمير برسباى الجركسى دوادار الأمير خاير بك من جملة عامة أهل الركب، ثم بدا له الحج فاستأذن فى عام ثلاث وستين وكتب بسؤال الإذن من عنده إلى الأبواب السلطانية فعاد إليه الجواب بأن يحج أميرا على الركب معظما فى ذلك المهم والقضية فسافر فى تلك السنة أميرا على الحج ورأسا لوفود العج والثج (١) فأكثر من حمل الزاد والماء وقصد ثناء الفقراء عليه بإطعامهم وإنجائهم من الظمأ واعتنى فى كل يوم بإطعامهم طبيخ البازين فى القصاع الوافرة، واستمر على ذلك ذهابا وإيابا فى كل كرة غير خاسرة وسار فى أعقاب الحج


(١) العجّ: العجيج فى الدعاء، والثج: سيلان دماء الهدى والأضاحى-وفى الحديث تمام الحج العجّ والثج- انظر اللسان- (ثجج).