لحمل المنقطع والمعيى والمريض، واشتهر فى تلك السنة بذلك بين وفد الله خصوصا ممن يتحقق منه المعرة واللسانة، وجعل راتبا لفقراء مكة الآفاقية من اليمن والزيلع وطوائف الأجناس فى كل يوم حملين من الدقيق يطبخ بازينا بالسمن ويفرق عشية كل يوم مدة إقامته بمكة فبسبب إطعام الفقراء البازين ومداومته على ذلك ذهابا وإيابا قال سوقة الركب لما فقدوا من كان يشترى بضاعتهم المعدة للفقراء من الحلاوة والعيش وغير ذلك «فى سنة البازين بطلت الموازين» وبسبب عدم إحسانه لفقراء مكة الذين هم من الفقهاء وعامة البلد ممن جرت عادة أكابر أهل الصيت من الأمراء ومشايخ العرب إذا حجوا أن يفرقوا عليهم شيئا من النقود توسعة عليهم ولو مساعدة فى ثمن حرام أو غيره، قالوا:: «سنة أبى حنيش لا فى ايش ولا على ايش» حتى لهجت بذلك أولاد مكة وأطفالهم وسفهاؤهم فى الأزقة والأسواق، كما هى عادتهم فى بسط الألسنة عند التقصير فى عطائهم ولما عاد من الحج جهز أرمغانا حافلا للباب الشريف، فعين له حينئذ أن يكون من أمراء اللواء وجهز إليه لواء وثمارا كما هى عادة الأرمغانات السلطانية، واستمر أميرا على عرب بنى عونة مع كونه أمير اللواء السلطانى فتعدى حينئذ طوره ولبس الملابس الفاخرة، وأكثر من المماليك الترك وأمر بأن تضرب طبلخانة الروم المكملة فى كل يوم بعد العصر على عادة أمراء الألوية الكبار، ولكن لم يغير اللثامين وعمامة العرب، وإنما لبس الفوقانى خاصة قصير الكم وركب بالسروج التركية المحلاة، ومشى فى ركابه عدد من المماليك بالزى الرومى الفاخر والغاشية الملوكية، وقل خيره عند حصول هذه الرتبة عن الفقراء وطلب الثواب واقتصر على ما يجهزه إلى الديار الرومية وأكابر الباب، ومع بلوغه هذا المقام واتصاله لهذا الإكرام، فهو متصف بأوصاف مشهورة وأحوال مخبورة.
منها أنه كان أعسر اليد لا يكاد يتناول بيده اليمنى غذاء ولا شيئا يهتم به بل بشماله ولا يخفى ما فى ذلك، وكان معيانا، قل ما نظر إلى شئ واستحسنه إلا واقترن به الضرر حتى فى ماله وجماله، وحقودا من غير أن يظهر منه خلافه فى الخارج وقل ما أظهر البشاشة والإنصاف فى السلام للوارد إلا وكان مداهنا له شديد البغض باطنا، وربما أمر بقتل النفس فى الباطن وأنكر على قاتله فى الصورة الظاهرة، وغالب معروفه للإشاعة وذكر المحمدة، ووعده فى الغالب كبرق خلب، وربما تعمد الكذب الصريح وأوهم خلافه، وقل من ركن إليه بالكلية إلا وشكا الفقر لشؤم أتباعه.