قبل ذلك لا يلقب بشيخ الشيوخ إلا شيخ خانقاه سعيد السعداء وأحضرت التشاريف السلطانية فخلع على قاضى القضاة بدر الدين، وعلى ولده عز الدين، وعلى قاضى قضاة المالكية، وعلى الشيخ مجد الدين أبى حامد موسى بن أحمد بن محمود الأقصراى شيخ الشيوخ، وعلى الشيخ على الدين القونوى شيخ خانقاه سعيد السعداء، وعلى الشيخ قوام الدين أبى محمد عبد المجيد بن أسعد بن محمد الشيرازى شيخ الصوفية بالجامع الجديد الناصرى خارج مدينة مصر، وعلى جماعة كثيرة وخلع على سائر الأمراء وأرباب الوظائف وفرق بها ستين ألف درهم فضة وعاد إلى قلعة الجبل، فرغب الناس فى السكنى حول هذه الخانقاه وبنيت الدور والحوانيت والخانات حتى صارت بلدة كبيرة تعرف بخانقاه سرياقوس، وتزايد الناس بها حتى أنشئ فيها سوى حمام الخانقاه عدة حمامات.
قال وهى إلى اليوم بلدة عامرة ولا يؤخذ بها مكس البتة مما يباع من سائر الأصناف احتراما لسكان الخانقاه، ويعمل هناك فى يوم الجمعة سوق عظيم ترد الناس إليه من الأماكن البعيدة يباع فيه الخيل والجمال والحمير والبقر والغنم والدجاج والأوز وأصناف الغلال وأنواع الثياب وغير ذلك، وكانت معاليم هذه الخانقاه من أسنى معلوم ديار مصر، يصرف لكل صوفى فى اليوم من لحم الضأن السليج رطل قد طبخ فى طعم شهى، ومن الخبز النقى أربعة أرطال، ويصرف له فى كل شهر مبلغ أربعين درهما فضة، عنها ديناران ورطل حلوى ورطلان زيتا من زيت الزيتون، ومثل ذلك من الصابون ويصرف له ثمن كسوة فى كل سنة وتوسعة فى كل شهر رمضان، وفى العيدين وفى مواسم رجب وشعبان وعاشوراء، وكلما قدمت فاكهة يصرف له مبلغ لشرائها وبالخانقاه خزانة بها السكر والأشربة والأدوية وبها الطبائعى والجرّاحى والكحال ومصلح الشعر.
وفى كل رمضان يفرق على الصوفية كيزان لشرب الماء وتبيض/لهم قدورهم النحاس، ويعطون حتى الأشنان لغسل الأيدى من وضر اللحم يصرف ذلك من الوقف لكل منهم، وبالحمام الحلاق لتدليك أبدانهم وحلق رءوسهم فكان المنقطع بها لا يحتاج إلى شئ غيرها ويتفرغ للعبادة، ثم استجد بعد ستة وتسعين وسبعمائة بها حمام آخر برسم النساء وما برحت على ما ذكرنا إلى أن كانت المحن من سنة ست وثمانمائة فبطل الطعام وصار يصرف لهم فى ثمنه مبلغ من نقد مصر وهى الآن على ذلك.