وكان بعض هذه القبائل ربما جاور بعضا فى الربيع، ولا يوقف فى معرفة ذلك على أحد إلا أن معظم القبائل كانوا يأخذون حيث وصفنا، وكان يكتب لهم بالربيع فيربعون ما أقاموا وباللبن، وكان لغفار وليث أيضا مربع بأتريب، ثم قال: ورجعت خشين وطائفة من لخم وجذام فنزلوا أكناف صان وأبليل وطرافيه.
وذكر أيضا عند الكلام على مذاهب أهل مصر أنه لما قتل سيدنا عثمان بن عفان ﵁ قامت شيعته بمصر وعقدوا لمعاوية بن حديج وبايعوه على الطلب بدم عثمان فسار بهم معاوية إلى الصعيد، فبعث إليهم ابن أبى حذيفة ليقاتلهم فالتقوا بدقناس من كورة البهنسا فهزم أصحاب ابن أبى حذيفة ومضى معاوية حتى بلغ برقة، ثم رجع إلى الإسكندرية فبعث ابن أبى حذيفة بجيش آخر عليهم قيس بن حرمل فاقتتلوا بخربتا أول شهر رمضان سنة ست وثلاثين فقتل قيس.
ولما دخل معاوية بن أبى سفيان مصر وعقد الرهان مع ابن أبى حذيفة خرج معه ابن حذيفة وابن عيسى وكنانة بن بشر وأبو شمر بن أبرهة وغيرهم من قتلة عثمان، فلما وصل بهم قرية لدّ سجنهم بها وسار إلى دمشق فهربوا من السجن غير أبى شمر ابن أبرهة، فإنه قال لا أدخل السجن أسيرا وأخرج منه آبقا، وتبعهم صاحب فلسطين فقتلهم فى ذى الحجة سنة ست وثلاثين، فلما بلغ على بن أبى طالب ﵁ مصاب ابن حذيفة، بعث قيس بن سعد بن عبادة الأنصارى على مصر وجمع له الخراج والصلة فدخلها مستهل شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين، واستمال الخارجية بخربتا ودفع إليهم أعطياتهم، ووفد عليهم وفدهم فأكرمهم وأحسن إليهم ومصر يومئذ من جيش على ﵁ إلا أهل خربتا الخارجين بها.
وكان قيس بن سعد من ذوى الرأى والدهاء فجهد معاوية بن أبى سفيان وعمرو ابن العاص على إخراجه من مصر ليغلبا على أمرها فامتنع عليهما بالدهاء والمكايدة، فعمل معاوية مكيدة لقيس من قبل على ﵁، فكان معاوية يحدّث رجالا من ذوى رأى قريش فيقول: ما ابتدعت من مكايدة قط أعجب إلىّ من مكايدة كدت بها قيس بن سعد حين امتنع منى، قلت لأهل الشام لا تسبوا قيسا ولا تدعو إلى غزوه، فإن قيسا لنا شيعة تأتينا كتبه ونصيحته سرا ألا ترون ماذا يفعل بإخوانكم النازلين