كانت منوطة بالخولة الذين لا يعرفون طرق الهندسة، فكان لكل بلد حوشة بمفردها، وإذا كان لأحد الملتزمين عشرة بلاد مثلا، كان لها جسر يعرف بالجسر السلطانى، وأغلب هذه الجسور كانت بمنخفض الحيضان حتى إذا علا الماء لم تمنعه تلك الجسور فكان التشريق غالبا فى أكثر السنين فى الأراضى المرتفعة، وكان كثير من الأراضى المنخفضة يستبحر ولا يصلح للزرع بل تبقى برك تركد فيها المياه إلى آخر السنة، وذلك لقلة وسايط الصرف أو عدمها فكان كثير من الأراضى غير منتفع به، وكان النيل إذا كثر أكل الجسور وأتلفها فتحتاج إلى الإعادة، وفى ذلك ما لا يخفى من المشاق وكثرة المغارم الداعية إلى عدم الثروة.
فالتفت العزيز محمد على إلى ذلك ورتب المهندسين بالأقاليم فكان المترجم ممن ترتب فى الجهات القبلية كما مر، وعلى يده عملت أغلب الجسور وما بها من القناطر والأرصفة الموجودة إلى الآن بالوجه القبلى، وجميعها جسور عمودية من الجبل إلى البحر بين كل جسرين مسيرة ساعتين أو ثلاثة ووصل بعضها ببعض بطرّاد مستطيل على ساحل البحر على ما هو مبين فى جزء مخصوص من هذا الكتاب.
وكان الشروع فى هذا العمل من ابتداء سنة إحدى وخمسين وانتهاؤه فى سنة أربع وستين، وكان المرتب فى كل سنة ثلاثمائة وخمسين ألف قصبة مكعبة على جسور الأقاليم القبلية ولكل قصبة ثلاثون رجلا، وهى عبارة عن أربعة عشر مليونا وثلاثة أرباع مليون مترا مكعبا واستمر ذلك عشر سنين مدة حكمدارية المرحوم سليم باشا السلحدار.
ومن المبانى ما بين أرصفة وقناطر فى كل سنة ثلثمائة وخمسون ألف ذراع مكعب وهذا فى الأقاليم القبلية خاصة وأما فى الأقاليم الوسطى والفيوم فكان المرتب من عمل الجسور مائة وثلاثين ألف قصبة مكعبة عبارة عن خمسة ملايين ونصف مترا مكعبا تقريبا، ومن المبانى ثمانين ألف ذراع كل سنة فكان ما عمل فى هذه الأقاليم فى عشر سنين ما ينيف عن مائتى مليون مترا مكعبا.
وكان جميع ما عمل فى تلك الأقاليم نحو خمسين جسرا كبيرة، ومن القناطر نحو خمسمائة عين ومكعب العين يختلف من خمسة آلاف ذراع إلى ثلاثة آلاف ذراع مكعب