يتضمنان تعظيمه واحترامه، وقد توفى سنة ست وأربعين وألف. وقام مقامه ابن أخيه الشيخ رشوان ابن الشيخ هرمل ابن السيد مصطفى، وكان رجلا عالما صالحا سخيا. ولم يكن للجامع أوقاف فكان يصرف عليه من ماله جميع لوازمه، وقد توفى سنة ثمان وسبعين بلا مرض. وفى يوم وفاته أخبر بموته، وهيأ مدفنه وفرشه بالرمل وأوصى أن يدفن فيه، وهو بجوار مقام ولى يقال له سيدى جلال، وأوصى أولاده بالتقوى والعزلة عن الناس إلا لفائدة، وأنشد لهم قول الشاعر:
لقاء الناس ليس يفيد شيئا … سوى الهذيان من قيل وقال
فاقلل من لقاء الناس إلا … لأخذ العلم أو إصلاح حال
ثم توضأ وصلى ركعتين وقرأ شيئا من القرآن ومات من ساعته. أخبر بجميع ذلك أحد أنجاله معلم العربية فى المدرسة الخطربة بالقلعة.
ثم إن البحر قد مال على هذه البلدة فأذهب أكثرها، وكثيرا ما أظهر فيها أبنية من الآجر الكبير وصخورا عليها نقوش هيروجليفية تدل على أنها كانت مدينة جليلة، ولم يبق الآن من تلول البلد القديمة إلا قطعة عالية عليها بيوت فوق شاطئ البحر وعليها هذا الجامع العتيق، وانتقلت بيوتها فى الجهة الشرقية حتى قيل إن هذا الجامع كان فى طرفها الشرقى فصار فى طرفها الغربى، ولها موردة عليها السفن دائما لشحن المتاجر من تلك البلاد إلى مصر وإلى أسوان. وسوقها فوق البحر فيه ما يحتاجه المسافر وغيره من خبز ولحم وسمن وخضر وغلال وفواكه، وعندها بساتين نضرة. وفيها أقباط بكثرة أكثرهم أرباب حرف وصنائع. وسوقها العمومى يوم الأربعاء، وهو سوق حافل يجتمع الناس فيه من البرين، وفى تلك الجهة يباع نحو اللحم والخضر جزافا.
ومن عوائدهم فى الأفراح كغيرهم من تلك البلاد أن يهدوا إلى بيت الفرح الخبز والغلة والذبائح، ويتسابقوا بالخيل مع ضرب الدف والمزمار أسبوعا أو أكثر، وفى ليلة البناء فى الزواج أو ليلة الختان يأتون بصاحب الفرح فى عرصة داره وينزعون عنه ثيابه والرجال والنساء محيطون به فيغسلونه فى قصعة أو طشت من نحاس أو فخار، وينادى عليه رجل موظف لذلك، فيقول:«الصينية يا محبون»، والنساء يغنين