إن قصدوا بنا شيئا قمنا بأجمعنا عليهم، وفينا ولله الحمد الكفاية، وغند ذلك نوسط بيننا وبينهم الإنكليز لتكون لنا المندوحة والعذر.
فقال المترجم:«أما الاستنكاف من الالتجاء للإنكليز فإن القوم لا يستنكفون من ذلك، وقد استغاثوا بهم ولولا مساعدتهم لما أدركوا هذا الحصول ولا قدروا على إخراج الفرنسيس من البلاد، وقد شاهدنا ما حصل فى العام الماضى لما حضروا بدون الإنكليز، على أن هذا قياس مع الفارق فإن تلك مساعدة حرب وأما هذه فهى واسطة مصلحة لا غير، وأما انتظار حصول المنابذة فقد لا يمكن التدارك بعد وقوع الأمور والرأى لكم». فعند ذلك سكتوا وتفرقوا على كتمان ما دار بينهم.
ولما لم يوافقوا، المترجم، على ما أشار به عليهم، أخذ يدبر فى خلاص نفسه، فانضم إلى محمود أفندى رئيس الكتاب لقربه من الوزير وقبوله عنده، وأوهمه النصيحة للوزير بتحصيل مقادير عظيمة من الأموال من جهة الصعيد إن قلده الوزير إمارة الصعيد فإنه يجمع له أموالا جمة من تركات الأغنياء الذين ماتوا بالطاعون فى العام الماضى وخلافه ولم يكن لهم ورثة وغير ذلك من المال والغلال الميرية من الجهات التى لا يحيط بها خلافه.
فلما عرف الرئيس بذلك لم يكن بأسرع من إجابته لوجهين، الأول: طمعا فى تحصيل المال، والثانى: لتفريق جموعه، فإنهم كانوا يحسبون حسابه دون باقى الجماعة لكثرة جيشه وشدة احتراسه، فإنه كان إذا ذهب إلى الوزير لا يذهب فى الغالب إلا وحوله جميع جنوده ومماليكه.
وعند ما أجاب الوزير بسفره، وكتب له فرمانا بإمارة الجهة القبلية، وأطلق له الأذن ورخص له فى جميع ما يؤدى إليه اجتهاده من غير معارض، وتمم الوزير القصد.
حضر المترجم فى الوقت وأخذ المرسوم ولبس الخلعة وودع الوزير والرئيس، وركب فى الوقت والساعة وخرج مسافرا ولم يشعر بذلك أحد ولم ير للوزير وجها بعد ذلك.
وعند ما أشيع ذلك حضر إلى الوزير من اعترض عليه فى هذه الفعلة وأشار عليه