فخيموا تجاه دمياط فى البر الغربى وحفروا على عسكرهم خندقا وأقاموا عليه سورا وشرعوا فى قتال برج دمياط، فإنه كان برجا منيعا فيه سلاسل من حديد غلاظ تمد على النيل لتمنع المراكب الواصلة فى البحر الملح من الدخول إلى ديار مصر فى النيل، وذلك أن النيل إذا انتهى إلى فسطاط مصر مرّ عليه فى ناحية الشمال إلى شطنوف، فإذا صار إلى شطنوف انقسم إلى قسمين: أحدهما يمر فى الشمال إلى رشيد فيصب فى البحر الملح، والشطر الآخر يمر من شطنوف إلى جوجر، ثم يتفرق من عند جوجر فرقتين: فرقة تمر إلى أشموم فتصب فى بحيرة تنيس، وفرقة تمر من جوجر إلى دمياط فتصب فى البحر الملح هناك، وتصير هذه الفرقة من النيل فاصلة بين مدينة دمياط والبر الغربى، وهذا البر الغربى من دمياط يعرف بجزيرة دمياط يحيط بها ماء النيل والبحر الملح.
وفى مدة إقامة الافرنج بهذا البر الغربى عملوا الآلات والمراسى وأقاموا أبراجا يزحفون بها فى المراكب إلى برج السلسلة ليملكوه، فإنهم إذا ملكوه تمكنوا من العبور فى النيل إلى القاهرة ومصر، وكان هذا البرج مشحونا بالمقاتلة، فتحيل الفرنج عليه وعملوا برجا من الصوارى على بسطة كبيرة وأقلعوا بها حتى أسندوها إليه وقاتلوا من به حتى أخذوه. فبلغ نزول الفرنج على دمياط الملك الكامل، وكان يخلف أباه الملك العادل على ديار مصر، فخرج بمن معه من العساكر فى ثالث يوم من وقوع الطائر بخبر نزول الفرنج لخمس خلون منه، وأمر والى الغربية بجمع العرب، وسار فى جمع كبير وخرج الأسطول، فأقام تحت دمياط. ونزل السلطان بمن معه من العساكر بمنزلة العادلية قرب دمياط، واشتدت عساكره إلى دمياط لتمنع الفرنج من السور، والقتال مستمر والبرج ممتنع مدة أربعة أشهر، والعادل يسير العساكر من البلاد الشامية شيئا بعد شئ حتى تكاملت عند الملك الكامل، واهتم الملك لنزول الفرنج على دمياط واشتد خوفه، فرحل من مرج الصفر إلى عالفين فنزل به المرض ومات فى سابع جمادى الآخرة، فكتم الملك المعظم عيسى موته، وحمله فى محفة وجعل عنده خادما وطبيبا راكبا إلى جانب المحفة والشرابدار يصلح الشراب ويحمله إلى الخادم فيشر به ويوهم الناس أن السلطان شربه، إلى أن دخلوا به إلى قلعة دمشق وصارت إليه الخزائن والبيوتات فأعلم بموته وتسلم ابنه الملك المعظم جميع ما كان معه، ودفنه بالقلعة ثم نقله إلى مدرسة العادلية بدمشق. وبلغ الملك الكامل موت أبيه وهو بمنزلة العادلية-