قرب دمياط -فاستقل بمملكة ديار مصر. واشتد الفرنج وألحوا فى القتال حتى استولوا على برج السلسلة وقطعوا السلاسل المتصلة به لتجوز مراكبهم فى بحر النيل ويتمكنوا من البلاد. فنصب الملك الكامل بدل السلاسل جسرا عظيما لمنع الفرنج من عبور النيل فقاتلت الفرنج عليه قتالا شديدا إلى أن قطعوه، وكان قد أنفق على البرج والجسر ما ينيف عن سبعين ألف دينار. وكان الكامل يركب فى كل يوم عدّة مرار من العادلية إلى دمياط لتدبير الأمور وإعمال الحيلة فى مكايدة الفرنج، فأمر الملك الكامل أن يفرق عدة من المراكب فى النيل حتى تمتنع الفرنج من سلوك النيل، فعمد الفرنج إلى خليج هناك، يعرف بالأزرق كان النيل يجرى فيه قديما، فحفروه وعمقوا حفره وأجروا فيه الماء إلى البحر الملح، وأصعدوا مراكبهم فيه إلى بورة على أرض جزيرة دمياط، مقابل المنزلة التى بها السلطان ليقاتلوه من هناك، فلما صاروا فى بورة جاؤه وقاتلوه فى الماء وزحفوا إليه عدة مرار فلم يظفروا منه بطائل ولم يتغير على أهل دمياط شئ لأن الميرة والإمداد متصلة إليهم والنيل يحجز بينهم وبين الفرنج وأبواب المدينة مفتحة وليس عليها من الحصر ضيق ولا ضرر، والعرب تتخطف الفرنج فى كل ليلة بحيث امتنعوا من الرقاد خوفا من غاراتهم. فلما قوى طمع العرب فى الفرنج حتى صاروا يخطفونهم نهارا ويأخذون الخيم بمن فيها، أكمن الفرنج لهم عدّة كمناء وقتلوا منهم خلقا كثيرا. وأدرك الناس الشتاء وهاج البحر على مخيم المسلمين وغرقهم/ فعظم البلاء وتزايد الغم. وألح الفرنج فى القتال وكادوا أن يملكوا، فبعث الله ريحا قطعت مراسى مرمة الفرنج، وكانت من عجائب الدنيا، فمرت إلى بر المسلمين فأخذوها، فإذا هى مصفحة بالحديد لا تعمل فيها النار ومساحتها خمسمائة ذراع فكسروها فإذا فيها مسامير زنة الواحد منها خمسة وعشرون رطلا.
وبعث الكامل إلى الآفاق سبعين رسولا يستنجد أهل الإسلام لنصرة المسلمين ويخوفهم من غلبة الفرنج على مصر، فساروا فى شوال وأتته النجدات من حماة وحلب.
وبينما الناس فى ذلك إذ طمع الأمير عماد الدين أحمد ابن الأمير سيف الدين أبى الحسين على بن أحمد الهكارى-المعروف بابن المشطوب-فى الملك الكامل عند ما بلغه موت الملك العادل، وكان له لفيف ينقادون إليه ويطيعونه. وكان أميرا كبيرا مقدّما عظيما فى الأكراد الهكارية، وافر الحرمة عند الملوك، معدودا بينهم مثل واحد