منهم، وكان مع ذلك علىّ الهمة غزير الجود واسع الكرم شجاعا أبىّ النفس تهابه الملوك، وله الوقائع المشهورة، وهو من أمراء دولة صلاح الدين يوسف. فاتفق مع جماعة من الجند والأكراد على خلع الملك الكامل، وإقامة أخيه الملك الفائز إبراهيم ليصير له الحكم، ووافقه الأمير عز الدين الحميدى والأمير أسد الدين الهكارى والأمير مجاهد الدين وجماعة من الأمراء.
فلما بلغ ذلك الملك الكامل، دخل عليهم وهم مجتمعون والمصحف بين أيديهم ليحلفوا للفائز، فلما رأوه انفضوا، فخشى على نفسه فخرج، فاتفق وصول الصاحب صفى الدين بن سكر من آمد إلى الملك الكامل، فإنه كان استدعاه بعد موت أبيه، فتلقاه وأكرمه، وذكر له ما هو فيه، فضمن له تحصيل المال.
فلما كان الليل ركب الملك الكامل وتوجه من العادلية فى جريدة إلى أشموم طناح فنزلها، وأصبح العسكر بغير سلطان، فركب كل منهم هواه، ولم يعطف الأخ على أخيه، وتركوا أثقالهم وخيامهم وأموالهم وأسلحتهم ولحقوا بالسلطان. فبادر الفرنج فى الصباح إلى مدينة دمياط، ونزلوا البر الشرقى يوم الثلاثاء سادس عشر ذى القعدة بغير منازع ولا مدافع، وأخذوا سائر ما كان فى عسكر المسلمين، وكان شيئا لا يحيط به الوصف، وداخل السلطان وهم عظيم، وكاد أن يفارق البلاد، فإنه تخيل الفزع من جميع من معه. واشتد طمع الفرنج فى أرض مصر كلها وظنوا أنهم قد ملكوها، إلا أن الله ﷾ أغاث المسلمين، وثبت السلطان، ووافاه أخوه الملك المعظم بأشموم طناح، فاشتد به أزره وقوى جأشه، وأطلعه على ما كان من ابن المشطوف، فوعده بإزاحة ما يكره. ثم إن الملك المعظم ركب إلى خيمة ابن المشطوف، واستدعاه للركوب معه ومسايرته، فاستمهله حتى يلبس خفيه وثياب الركوب، فلم يمهله وأعجله، فركب معه وسايره حتى خرج به من العسكر الكاملى، ثم قال له:«يا عماد الدين هذه البلاد لك، وأشتهى أن تهبها لنا»، وأعطاه نفقة وسلمه إلى جماعة من أصحابه يثق بهم، وقال لهم:«أخرجوه من الرمل ولا تفارقوه حتى يخرج من الشام». فلم يسع ابن المشطوف إلا امتثال ما قال المعظم، لأنه معه بمفرده ولا قدرة له على الممانعة، فساروا به إلى حماة، ثم مضى إلى المشرق.