خوفا ممن وراءهم من الفرنج فى الجزائر وغيرها، ثم اتفقوا على الأمان وأن يعطى كل من الفريقين رهائن، فتقرر ذلك فى تاسع شهر رجب سنة ثمانى عشرة. وسير الفرنج عشرين ملكا رهنا عند الملك الكامل، وبعث الملك الكامل بابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب وجماعة من الأمراء إلى الفرنج. وجلس السلطان مجلسا عظيما لقدوم ملوك الفرنج وقد وقف أخوته وأهل بيته بين يديه، وصار فى أبهة وناموس مهاب، وخرج قسوس الفرنج ورهبانهم إلى دمياط فسلموها للمسلمين فى تاسع عشرة، وكان يوم تسليمها يوما عظيما، وعند ما تسلم المسلمون دمياط وصارت بأيديهم قدمت نجدة فى البحر للفرنج، فكان من جميل صنع الله تأخرها حتى ملكت دمياط بأيدى المسلمين، فإنها لو قدمت قبل ذلك لقوى بها الفرنج، فإن المسلمين وجدوا مدينة دمياط قد حصنها الفرنج وصارت بحيث لا ترام.
ولما تم الأمر بعث الفرنج بولد السلطان وأمرائه إليه، وسير إليهم السلطان من كان عنده من الملوك فى الرهن، وتقررت الهدنة بين الفرنج والمسلمين مدة ثمانى سنين. وكان مما وقع الصلح عليه أن كلا من المسلمين والفرنج يطلق ما عنده من الأسرى، وحلف السلطان وإخوته، وحلفت ملوك الفرنج.
وتفرق الناس إلى بلادهم، ودخل الملك الكامل إلى دمياط بأخوته وعساكره، وكان يوم دخوله إليها من الأيام المذكورة. ورحل الفرنج إلى بلادهم وعاد السلطان إلى مقر ملكه، وأطلقت الأسرى من ديار مصر، وكان فيهم من له من أيام السلطان صلاح الدين يوسف. وسارت ملوك الشام بعساكرها إلى بلادها. وعمت بشارة أخذ المسلمين مدينة دمياط من الفرنج سائر الآفاق، فإن التتر كانوا قد استولوا على ممالك المشرق، فاشرف الفرنج على أخذ ديار مصر من أيدى المسلمين، وكانت مدة استيلائهم على مدينة دمياط سنة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يوما.
فلما كان فى سنة ست وأربعين وستمائة، حدث بالسلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل محمد، ورم فى مأبضه-أى باطن ركبته-تكوّن منه ناسور فتح، وعسر برؤه، فمرض من ذلك وانضاف إليه قرحة فى الصدر، فلزم الفراش، إلا أن علوّ همته اقتضى مسيره من ديار مصر إلى الشام، فسار فى محفة، ونزل بقلعة دمشق، فورد عليه رسول الامبراطور ملك الفرنج الألمانية بجزيرة صقلية،