للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى هيئة تاجر، وأخبره سرا بأن بواش-الذى يقال له روادى فرنس-عازم على المسير إلى أرض مصر وأخذها، فسار السلطان من دمشق وهو مريض فى محفة، ونزل بأشموم طناح فى المحرم سنة سبع وأربعين، وجمع فى مدينة دمياط من الأقوات والأزواد والأسلحة وآلات القتال شيئا كثيرا خوفا أن يجرى على دمياط ما جرى فى أيام أبيه فأخذت بغير ذلك.

ولما نزل السلطان بأشموم كتب إلى الأمير حسام الدين أبى على بن أبى على الهديانى، نائبه بديار مصر، أن يجهز الأسطول من صناعة مصر، فشرع فى الاهتمام بذلك، وشحن الأسطول بالرجال والسلاح وسائر ما يحتاج إليه وسيره شيئا بعد شئ.

وجهز السلطان الأمير فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ ومعه الأمراء والعساكر، فنزل بحيرة دمياط من برها الغربى وصار النيل بينه وبينها. فلما كان فى الساعة الثانية من نهار الجمعة لتسع بقين من صفر وردت مراكب الفرنج البحريين، وفيها جموعهم العظيمة، وقد انضم إليهم فرنج الساحل، وأرسوا بإزاء المسلمين، وبعث ملكهم إلى السلطان كتابا نصه:

«أما بعد، فإنه لم يخف عليك أنى أمين الأمة العيسوية، كما أنه لا يخفى علّى أنك أمين الأمة المحمدية، وغير خاف عليك أن عندنا أهل جزائر الأندلس، وما يحملونه إلينا من الأموال والهدايا، ونحن نسوقهم سوق البقر، ونقتل منهم الرجال ونرمل النساء ونستأسر البنات والصبيان، ونخلى منهم الديار. وأنا قد أبديت لك ما فيه الكفاية وبدلت لك النصح إلى النهاية، فلو حلفت لى بكل الأيمان وأدخلت علىّ الأقساس والرهبان، وحملت قدامى الشمع طاعة للصلبان، لكنت واصلا إليك وقاتلك فى أعز البقاع عليك، فإما أن تكون البلاد لى فياهدية حصلت فى يدى، وإما أن تكون البلاد لك والغلبة علىّ، فيدك العليا ممتدة إلىّ، وقد عرفتك وحذرتك من عساكر حضرت فى طاعتى، تملأ السهل والجبل، وعددهم كعدد الحصا، وهم مرسلون إليك بأسياف القضاء».

فلما قرئ الكتاب على السلطان وقد اشتد به/المرض بكى واسترجع، فكتب