للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القاضى بهاء الدين زهير بن محمد الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلواته على سيدنا محمد رسول الله وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنه وصل كتابك وأنت تهدد فيه بكثرة جيوشك وعدد أبطالك، فنحن أرباب السيوف، وما قتل منا فرد إلا جددناه، ولا بغى علينا باغ إلا دمرناه، ولو رأت عينك أيها المغرور حد سيوفنا وعظم حروبنا، وفتحنا منكم الحصون والسواحل، وتخريبنا ديار الأواخر منكم والأوائل، لكان لك أن تعض على أنا ملك بالندم، ولا بد أن تزل بك القدم فى يوم أوّله لنا وآخره عليك فهنا لك تسئ الظنون. ﴿وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (١)، فإذا قرأت كتابى هذا فتكون فيه على أول سورة النحل ﴿أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ (٢)، وتكون على آخر سورة ص ﴿وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ (٣)، ونعود إلى قول الله تعالى: وهو أصدق القائلين: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصّابِرِينَ﴾ (٤).

وقول الحكماء: إن الباغى له مصرع، وبغيك يصرعك وإلى البلاء يقلبك والسلام.

وفى يوم السبت ورد الفرنج، وضربوا خيامهم فى أكثر البلاد التى فيها عساكر المسلمين،، وكانت خيمة الملك روادى فرنس حمراء، فناوشهم المسلمون القتال، واستشهد يومئذ الأمير نجم الدين يوسف بن شيخ الإسلام، والأمير صارم الدين أزبك الوزيرى. فلما أمسى الليل رحل الأمير فخر الدين يوسف ابن شيخ الشيوخ بعساكر المسلمين جبنا وصلفا، وسار بهم فى بر دمياط، وسار إلى جهة أشموم طناح، فخاف من كان فى مدينة دمياط وخرجوا منها على وجوههم فى الليل لا يلتفتون إلى شئ، وتركوا المدينة خالية من الناس ولحقوا بالعسكر فى أشموم وهم حفاة عرايا جياع حيارى بمن معهم من النساء والأولاد ومروا هاربين إلى القاهرة، فأخذ منهم قطاع الطريق ما عليهم من الثياب وتركوهم عرايا. فشنعت القالة على الأمير فخر الدين من


(١) سورة الشعراء، آية ٢٢٧.
(٢) سورة النحل، آية ١.
(٣) سورة ص، آية ٨٨.
(٤) سورة البقرة، آية ٢٤٩