للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليها الحجارين والفعلة، فوقع الهدم فى أسوارها يوم الاثنين الثامن عشر من شعبان سنة ثمان وأربعين وستمائة، حتى خربت كلها ومحيت آثارها، ولم يبق منها سوى الجامع، وصار فى قبليها أخصاص على النيل سكنها الناس الضعفاء وسموها المنشية. وهذا السور هو الذى بناه أمير المؤمنين المتوكل على الله كما تقدم ذكره.

فلما استبد الملك الظاهر بيبرس البندقدارى الصالحى بمملكة مصر بعد قتل الملك المظفر قطز، اخرج من مصر عدة من الحجارين فى سنة تسع وخمسين وستمائة لردم فم بحر دمياط، فمضوا وقطعوا كثيرا من القرابيص وألقوها فى بحر النيل الذى ينصب فى شمال دمياط فى البحر الملح، حتى ضاق وتعذر دخول المراكب منه إلى دمياط، وهو إلى الآن على ذلك لا تقدر مراكب البحر الكبار أن تدخل منه، وإنما ينقل ما فيها من البضائع فى مراكب نيلية تعرف عند أهل دمياط بالجروم واحدها جرم، وتصير مراكب البحر الملح واقفة بآخر البحر قريبا من ملتقى البحرين.

ويزعم أهل دمياط الآن أن سبب امتناع دخول مراكب البحر جبل فى فم البحر أو رمل يتربى هناك. وهذا قول باطل، حملهم عليه ما يجدونه من إتلاف المراكب إذا هجمت على هذا المكان، وجهلهم بأحوال الوجود، وما مر من الوقائع. وإلى يومنا هذا يخاف على المراكب عند ورودها فم البحر، وكثيرا ما تتلف فيه، وقد سرت إليه حتى شاهدته ورأيته من أعجب ما يراه الإنسان.

وأما دمياط الآن فإنها حدثت بعد تخريب مدينة دمياط، وعمل هناك أخصاص، وما برحت تزداد إلى أن صارت بلدة كبيرة ذات أسواق وحمامات وجوامع ومدارس ومساجد، ودورها تشرف على النيل الأعظم، ومن ورائها البساتين، وهى أحسن بلاد الله منظرا.

وقد أخبرنى الأمير الوزير المشير الاستادار يلبغا السالمى ، أنه لم ير فى البلاد التى سلكها من سمرقند إلى مصر أحسن من دمياط هذه، فظننت أنه يغلو فى مدحها إلى أن شاهدتها، فإذا هى أحسن بلد وأنزهه وفيها أقول:

سقى عهد دمياط وحياه من عهد … فقد زادنى ذكراه وجدا على وجد

ولا زالت الأنواء تسقى سحابها … ديارا حكت من حسنها جنة الخلد