إنه تجاه الدار البيسرية ومن جملة حقوق القصر الشرقى، ويسلك إليه من الباب الذى كان يعرف فى أيام عمارة القصر الكبير فى زمن الخلفاء بباب البحر، وهو يعرف اليوم بباب قصر بشتاك تجاه المدرسة الكاملية، وفى وقتنا هذا يقال له باب العسكرة، وتسميه العامة باب بيت القاضى لأنه يتوصل منه إلى المحكمة الكبرى.
وهذا القصر عمّره الأمير بدر الدين بكتاش الفخرى المعروف بالأمير سلاح وسكنه، وكان تجاه هذا القصر الدار البيسرية فكان الأمير سلاح والأمير بيسرى إذا نزلا من القلعة ووصلا بين القصرين يدخل كل منهما إلى داره، فسمى الموضع الذى بين قصر بشتاك وبين الدار البيسرية ببين القصرين كما كان أوّلا فى أيام الفاطميين، حيث كان هذا الموضع بين القصر الكبير الشرقى والقصر الصغير الغربى الذى هو من الخرنفش إلى المارستان المنصورى.
ثم لما مات الأمير سلاح، وأخذ الأمير قوصون الدار البيسرية أخذ الأمير بشتاك هذا القصر من ورثة الأمير سلاح، وأخذ من السلطان الناصر محمد بن قلاوون قطعة أرض كانت داخل هذا القصر من حقوق بيت المال، وهدم دارا كانت قد أنشئت هناك، وعرفت بدار قطوان الساقى، وهدم أحد عشر مسجدا وأربعة معابد كانت من آثار الخلفاء الفاطميين، يسكنها جماعة الفقراء، وأدخل ذلك كله فى البناء إلا مسجدا منها، فإنه عمّره، ويعرف اليوم بمسجد الفجل، فكان هذا القصر من أعظم بناء القاهرة، فإن ارتفاعه فى الهواء أربعون ذراعا ونزول أساسه فى الأرض مثل ذلك، والماء يجرى بأعلاه، وله شبابيك من حديد تشرف على شارع القاهرة، وينظر من أعلاه عامة القاهرة والقلعة والنيل والبساتين، وهو مشرف جليل مع حسن بنائه وتأنق زخرفته، والمبالغة فى تزويقه وترخيمه.
وأنشأ أيضا فى أسفله حوانيت كان يباع فيها الحلوى وغيرها، فصار الأمر أخيرا كما كان أولا بتسمية الشارع بين القصرين.
ثم لما أكمل بشتاك هذا القصر والحوانيت والخان المجاور له فى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة لم يبارك له فيه ولا تمتع به، وكان إذا نزل إليه ينقبض صدره، ولا تنبسط نفسه ما دام فيه حتى يخرج منه، فترك المجئ إليه، وصار يتعاهده أحيانا فيعتريه ما تقدم ذكره، فكرهه، وباعه لزوجة بكتمر الساقى، وتداوله ورثتها، إلى أن أخذه السلطان الملك الناصر حسن ابن قلاوون، فاستقر بيد أولاده إلى أن أخذه جمال الدين الأستادار، فلما قتله الملك الناصر فرج بن برقوق استولى عليه فى جملة ما استولى عليه، وعيّنه للتربة التى أنشأها على قبر أبيه الملك الظاهر برقوق خارج باب النصر، فاستمر فى جملة أوقاف التربة إلى أن قتل الملك الناصر بدمشق فى حرب الأمير شيخ والأمير نوروز، وقدم الأمير شيخ إلى مصر وقف له من بقى