للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه بعث إليه بابنيه الملك الصالح نجم الدين أيوب، والملك العادل أبى بكر ليزوراه فى يوم عيد، فقاما على رأسه قياما. وأنشد زكى الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن وهيب القوصى قصيدة زاد فيها حين رأى الملكين قياما على رأسه:

لو لم تقم لله حق قيامه … ما كنت تقعد والملوك قيام

وقطع فى وزارته الأرزاق، وكانت جملتها أربعمائة ألف دينار فى السنة. وتسارع أرباب الحوائج والأطماع ومن كان يخافه إلى بابه وملؤا طرقاته وهو يهينهم ولا يحفل بشيخ منهم وهو عالم، وأوقع بالرؤساء وأرباب البيوت حتى استأصل شأفتهم عن آخرهم، وقدم الأرذال فى مناصبهم.

وكان جلدا قويا، حل به مرة دوسنطايا قوية (إسهال مفرط) وأزمنت فيئس منه الأطباء، وعند ما اشتد به الوجع وأشرف على الهلاك استدعى بعشرة من وجوه الكتاب كانوا فى حبسه، وقال: «أنتم فى راحة وأنا فى الألم، كلا والله»، واستحضر المعاصير وآلات العذاب وعذبهم فصاروا يصرخون من العذاب وهو يصرخ من الألم طول الليل إلى الصبح، وبعد ثلاثة أيام ركب.- (والمعاصير جمع معصار وهو شئ من الخشب ونحوه يعذب به أرباب الجرائم، بأن يوضع شئ من جسمه بين خشبتين ويضيق عليه حتى ينفصم أو يكاد، ويقال عصر أنثييه وعصرت مذاكيره وعصروه فى كعبيه أو صدغيه وعصرت رجلاه بالمعاصير، وكسروا غالب أعضائه بالمعاصير، ومات تحت العقوبة بالمعاصير والمقارع، ووضعت رجلاه فى خشبتين ثم عصرتا حتى (ا. هـ كترمير عن كتاب السلوك).

وكان-أى المترجم-يقول كثيرا: «لم يبق فى قلبى حسرة إلا كون البيسانى لم تتمرغ شيبته على عتباتى»،-يعنى القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى، فإنه مات قبل وزارته.

وكان درّى اللون تعلوه حمرة، ومع ذلك فكان طلق المحيا حلو اللسان، حسن الهيئة صاحب دهاء مع هوج وخبث فى طيش ورعونه مفرطة وحقد لا تخبو ناره، ينتقم ويظن أنه لم ينتقم فيعود، وكان لا ينام عن عدوّه، ولا يقبل معذرة أحد، ويتخذ