للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بر الجيزة وخرج الأمراء وغيرهم لملاقاته. ولم يعلم السبب فى رجوعه، والصحيح أنه لسببين:

الأول: حصول القحط هناك وعدم الذخيرة والعلف.

الثانى: إلحاح العسكر بطلب جماكيهم المتأخرة وما يأخذونه من المنهوبات لا يدخل فى حساب جماكيهم.

وهناك سبب ثالث: وهو عجزهم عن أخذ الإسكندرية لانقطاع الطرق بالمياه المالحة، فلو وصلوها وطال عليهم/الحصار لا يجدون ما يأكلون ولا ما يشربون،

وفى تلك المدة كان القحط عاما فى البلاد، وفى أيام النسئ نقص النيل نحو ذراع، فانزعج الناس وازدحموا على شراء الغلال وزاد سعرها، وانكبت الخلائق على الشراء، ومنع الغنى من شراء ما زاد على أردب ونصف، والفقير من شراء أكثر من ويبة، وكانوا يمنعون الكيل بعد ساعتين، فتذهب الناس إلى بولاق ومصر القديمة، ويرجعون من غير شئ. وصار الأمراء يأخذون الغلال القادمة بمراكبها قهرا عن أصحابها ويخزنونها لأنفسهم، حتى قلت الغلة وعز وجودها فى العرصات والسواحل، وقل الخبز من الأسواق والطوابين، وعز وجود الشعير والتبن، وبيعت الدواب والبهائم بالسعر الرخيص بسبب ذلك.

واجتمع بعض مشايخ الأزهر وتشاوروا فى الخروج إلى صلاة الاستسقاء، فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها. وذهبوا إلى إبراهيم بيك وتكلموا معه فى ذلك فقال لهم:

«وأنا أحب ذلك أيضا». فقالوا له: «وأين الشروط التى من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والإقلاع عن الذنوب وغير ذلك». فقال لهم: «هذا أمر لا يمكن ولا أقدر عليه، ولا أحكم إلا على نفسى، وأنا معكم». فقالوا: «إذا نهاجر من مصر». فقال: «وأنا معكم»، ثم قاموا منصرفين.

وزاد صياح الناس وارتفعت الغلال من السواحل والعرصات بالكلية، ولما عدى البرديسى إلى بر مصر ومعه محمد على والعسكر الأرنؤد، خرجت إليهم الفقراء بمقاطفهم وعيطوا فى وجوههم فوعدوهم بخير. وأصبح البرديسى مجتهدا فى ذلك وأرسل محمد على وخازنداره ففتحا الحواصل التى فى بولاق ومصر العتيقة وأخرجا