الثغر من الفرنسيس فإنهم ربما طرقوا البلاد على حين غفلة، وقد أحضرنا صحبتنا خمسة آلاف من العسكر تقيم بالأبراج لحفظ البلد والقلعة»، فلم يجيبوهم إلى الخروج، فقال الإنكليز:«إن لم تسمحوا بالرضا ندخل قهرا»، وأمهلوهم أربعة وعشرين ساعة. فكتبوا بذلك إلى مصر، فلما وصلت تلك المكاتبات اجتمع كتخذا بيك وحسن باشا وبونابرت الخزندار وطاهر باشا والدفتدار والرزنامجى وباقى الأعيان وذلك بعد الغروب، فاجتمع رأيهم على ارسال الخبر بذلك إلى العزيز محمد على يطلبونه للحضور هو ومن معه من العسكر-وكان إذ ذاك بالجهات القبلية-، ولما انقضت الأربعة والعشرون ساعة، ضرب الإنكليز البلد بالمدافع فهدموا جانبا من البرج الكبير وكذلك الأبراج الصغار والسور، فعند ذلك طلب أهل الإسكندرية الأمان، فرفعوا عنهم الضرب، ودخلوا البلد يوم الخميس تاسع الشهر، وسكن سر عسكرهم بوكالة القنصل وشرطوا مع أهالى البلد شروطا منها:
أنهم لا يسكنون البيوت قهرا عن أصحابها، ولا يمتهنون المساجد، ولا يبطلون منها الشعائر الإسلامية، وأعطوا أمين أغا الحاكم أمانا على نفسه وعلى من معه من العسكر، وأذنوا لهم بالذهاب إلى أىّ محل أرادوا، ومن كان له دين على الديوان يأخذ نصفه حالا والنصف الثانى مؤجلا، ومن أراد السفر فى البحر من التجار يسير فى خفارتهم إلى أى جهة أراد، ما عدا اسلامبول، وأن محكمة الإسلام تكون مفتوحة، ولا تقام دعوى عند الإنكليز بغير رضا أصحابها، والحمايات من أى بنديرة تكون مقبولة، ولا يحصل لأحد شئ من المكروه من كامل الوجوه حتى الفرنساوية.
والجمارك من كامل الجهات على كل مائة اثنان ونصف.
ثم بعد ذلك وصلت طائفة منهم إلى ثغر رشيد فى صبح يوم الثلاثاء الحادى والعشرين من الشهر، فدخلوا البلد، وكان أهل البلد ومن معهم من العساكر، مستعدين بالأزقة والعطف وطبقات البيوت. فلما صاروا بداخلها، ضربوا عليهم من كل ناحية، فألقى الإنكليز ما بأيديهم من الأسلحة، وطلبوا الأمان. فلم يؤمنوهم، وقبضوا عليهم، وذبحوا منهم جملة كثيرة وأسروا الباقين، وفر طائفة إلى دمنهور. ولما بلغ كاشفها ما حصل اطمأن خاطره، وكان قد خرج عنها، فرجع إليها. وصادف فى طريقه تلك الشرذمة عند ناحية ديبا ومحلة الأميرة، فقتل بعضهم وأخذ من بقى أسيرا. وأرسل السعاة إلى مصر، فعمل هناك شنك، وخلع كتخدا بيك على السعاة،