قال الجبرتى: إنه بعد وقعة رشيد الأولى، تراجعت نفوس العساكر وطمعوا فى الإنكليز وتجاسروا عليهم، وكذلك أهل البلاد، وقويت هممهم وتأهبوا للبروز والمحاربة، واشتروا الأسلحة، ونصبوا بعضهم على بعض للجهاد، وكثر المتطوعون، ونصبوا البيارق والأعلام، وجمعوا من بعضهم دراهم، وصرفوا على من انضم إليهم من الفقراء، وخرجوا فى موكب عظيم وطبول وزمور. فلما وصلوا إلى متاريس الإنكليزى، دهموهم من كل ناحية، وصدقوا فى الحملة عليهم، وألقوا أنفسهم فى النيران ولم يبالوا برميهم، وهجموا عليهم، واختلطوا بهم، وأدهشوهم بالتكبير والصياح، حتى أبطلوا رميهم ونيرانهم، فألقوا سلاحهم وطلبوا الأمان، فلم يؤمنوا وقبضوا عليهم وذبحوا الكثير منهم. وحضروا بالأسرى والرؤس-على الكيفيات المارة-، وفرّ الباقون إلى من بقى بالإسكندرية.
قال: ولما صارت الأسرى بالقلعة، طلع إليهم قنصل الفرنساوية ومعه الأطباء، لمعالجة الجرحى. ومهد لهم الأماكن والمفروشات والنفقات. وأما من وقع من شبابهم فى أيدى العسكر، فإنهم اختصوا بهم، وألبسوهم من ملابسهم، وباعوهم فيما بينهم. ومنهم من احتال على الخلاص من يد الفاسق بحيلة. فمن ذلك: أن غلاما منهم قال للذى هو عنده «إن لى بوليصة عند قنصل الفرنساوية، بمبلغ عشرين كيسة» ففرح،، وقال:«أرينها»، فأخرج له ورقة بخطهم، فأخذها منه طمعا فى أحرازها لنفسه، فذهب مسرعا إلى القنصل وأعطاها إياه. فلما قرأها، قال:
«لا أعطيك هذا المبلغ إلا بيد الباشا، ويعطينى بذلك رجعة لتخلص ذمتى».
فلما صاروا بين يدى الباشا، أخبره القنصل بالكيفية، فأحضر الغلام، وسأله، فقال:«أريد الخلاص منه، فاحتلت عليه بهذه الحيلة لأتوصل إليك». فطيب الباشا خاطر العسكرى، وأرسل الغلام لأصحابه بالقلعة.
ولما انقضى أمر الحرب من ناحية رشيد، وانجلت الإنكليز عنها ورجعوا إلى الإسكندرية، نزل الأتراك على الحماد وما جاورها، واستباحوا أهلها ونساءها وأموالها، (انظر الكلام على تلك الناحية).
ولما رجع الإنكليز إلى الإسكندرية، قطعوا سد أبى قير، (راجع أبو قير). وفى هذا الشهر أرسل الباشا آذان القتلى فى صندوق إلى اصطنبول.