لهم بالجلوس-بعد السلام عليه-فجلسوا وهم سكوت، ينظر بعضهم إلى بعض، فنظر إليهم الباشا، وقال:«خيرا»، فتكلم رضوان كتخدا البرديسى وقال:«ألسنا اصطلحنا مع حضرة الباشا وصفا خاطره لنا؟». قال:«نعم». قال له:«هل وقع من حضرتكم لأحد مكاتبة قبل ذلك؟».
قال:«لا». فقال:«لعلكم أرسلتم مكاتبة إلى قبلى؟»، قال:«لم يكن ذلك أبدا»، فعند ذلك أخرج له مكتوبا وناوله إياه، فلما رآه، قال:«نعم هذا مما كنا كتبناه بالإسكندرية»، فقالوا له:«إنا وجدناه أمس مع الهجان مسافرا به وتاريخه قريب»، فسكت مفكرا، فقاموا على أقدامهم، وقالوا له:«تفضل»، فقال:«إلى أين؟»، فقالوا:«إلى غزة فإنه لا أمان لنا معك بعد ذلك».
ولم يمهلوه لكلام يقوله، ولا عذر يبديه، حتى أنهم لم يمهلوه لمجئ مركوبه المختص به بل قدموا له فرسا لبعض المماليك وأركبوه له. وفى حال ركوبه رأى الأمراء مستعدين للذهاب معه واقفين فى انتظاره، وسار معه محمد بيك المنفوخ وسليمان بيك-صهر إبراهيم بيك-، وركبت أتباعه خيول الطواحين التى كانوا أعدوها للركوب. ولما تحقق سفرهم طارت عقول الطحانين، وذهبوا إلى صيوان البرديسى يشكون إليه، فقال لهم:«دونكم ها هى أمامكم اذهبوا فخذوها»، فرمحوا خلفهم إلى أن وصلوا إليهم وأمسك كل طحان فرسه، وأنزل راكبها ورجعوا مسرورين بخيولهم، ولم يقدر أحد أن يمنعهم من ذلك.
ولما وصل الباشا إلى القرين أراد أن يكبس هو ومن معه من أتباعه على من كان معه من الأمراء المصريين، وكان ذلك ليلا، وكان معهم سائس يعرف اللغة التركية، فأخبرهم بذلك، فتحرزوا منهم، ثم لما كبسهم وقعت بينهم محاربة، وقتل منهم عدة من المماليك وخازندار محمد بيك المنفوخ، وانجرح المنفوخ جرحا بليغا، وضرب بعض المماليك الباشا بقربانة فأصابته فسقط وبه الرمق فبقى مرميا إلى أن مات وقتل ابن أخته حسن بيك وباقى العثمانية.
وبعد ذلك أخذوه وكفنوه ودفنوه، وحفروا لباقيهم حفرا وواروهم فيها وانفض أمرهم.