وأرض الساحل والشامية بعضها جزيرة خلفها البحر تزرع قمحا وشعيرا ولابد من حرثها-أى إثارة أرضها بالمحراث-كما بينا ذلك فى مواضع وبعضها داخل فى الحيضان ويسمى (بلاد قوق) وأكثره يزرع من غير إثارة للأرض بل يلوق بألواح الخشب، وبعضه تزرع فيه الذرة النيلية، وبعد حصادها يزرع فى مكانها الشعير والعدس والحلبة ونحو ذلك ويسمى (العقر)، والعادة أن زرع الحرث أكثر محصولا من زرع اللوق، وزرع اللوق يأخذ بذرا أكثر من زرع الحرث كما ذكرنا ذلك غير مرة.
وفى زمن كثرة الفتن قبل استيلاء (العزيز محمد على) على هذه الديار كانت الأهالى مضطربة يحارب بعضهم بعضا؛ فكانت هذه البلاد منقسمة قسمين: أحدهما وهو الجنوبى يقال له (قسم البدارى) تسمية باسم بلدة هناك، والآخر وهو الشمالى يسمى (قسم سيلين)، وكان التناوش والحرب يحصل بينهما كثيرا ويقتل من الجانبين قتلى كثيرون، كما كان فى بلاد جرجا فرقة يقال لها (الصوامعة) وفرقة يقال لها (الوناتنة) لا ينقطع بينهم القتال والقتل والغارات وهكذا فى كل جهة، فمحا ذلك كله العزيز وعائلته من بعده؛ فصارت المرأة تمشى فى الطريق وحدها بزينتها وحليها، والرجل يمشى فى الليل بلا سلاح وهو فى غاية الأمن.
ومن عوائد هذه الجهة فى الأفراح أن ينصبوا كل يوم بعد العصر ميدانا يضرب فيه الدف ويتسابقون بالخيول إلى قرب المغرب، وبعد العشاء يستعملون الغناء ورقص النساء وضرب آلات الملاهى إلى نحو نصف الليل، وفى آخر يوم تركب الخيالة خيولهم والنساء الهوادج، وتجعل العروس فى هودج مزخرف مغطى بأحسن ما عندهم من المنسوجات النفيسة، ويطوفون هكذا حول البلد مع ضرب الدف ورمح الخيل وغناء النساء، وبعد كل قليل من الزمن يقفون برهة حتى يصلوا إلى بيت صاحب الفرح فيمد لهم سماطا ويرمون عليه نقودا تسمى (النقوط) يقيدها عنده فى دفتر ليردّها مع زيادة عليها عند الاقتضاء.