البلاد فى عمل الموالد، وقبل عمل هذه الليلة بنحو جمعة ينادى فى الأسواق من طرف المحزمين ومشايخ الطرق بأن المولد قد جاء وقته وأن أول وروده يوم كذا فيجتمع الناس والبياعون وأرباب الأشائر ومشايخ السجادات والخيالة وأصحاب الملاهى والألعاب، ويكون الناس حلقا كل طائفة على حدتها، والمقصود من ذلك هو حلقة الفقراء وأرباب الأشائر فيسمونها جمع أهل الله، ويحترمونها حتى لا يدخلها أحد منتعلا ولا ضاحكا ولا هازلا ولا معه آلة شرب الدخان، فإذا افتتح فيها الذكر ترى الذاكرين طوائف طائفين فى جوانب الحلقة متماسكين كالسلسلة، وتارة يقفون متقابلين يذكرون ويصفقون بأكفهم، والمغنون ينشدون الأشعار فيستمرون كذلك زمنا ثم يجلسون ويجلس المغنون متقابلين، يغنى أحدهم بكلام يزعمون أنه من كلام القوم، أكثره مستهجن، وله بطانة يرفعون أصواتهم معه فى بعض كلامه، مع التقطيع واللحن الفاحش فى كلمة التوحيد وغيرها، ثم يسكت فيغنى مقابله كذلك، ويكون كلامه (١) الأول غالبا متضمنا لشئ من ألغازهم، وكلام الآخر متضمنا لجوابه، فإذا لم يقدر على الجواب تأثر من ذلك هو وبطانته، وربما بكى بعضهم من ذلك الغلب، فمن كلامهم قولهم:
شوبش على ناس دخلوا البهنسا الغره … وردوا على الدن لا كاس ولا جرّه
كنك مغنى وحسك فى الغنى سره … تجيب خبر أرض كشفتها الشموس مره
فيجيبه الآخر بقوله:
فرعون لما طرد موسى كليم الله … انشق لو البحر بالنصفين وتعرّه
حتى نجا من عدو الله وتبرّه … آدى خبر أرض كشفتها الشموس مره