دمرنا البلاد وايتمنا الأولاد وأهلكنا العباد وأذقناهم أليم العذاب والنكاد، وجعلنا عظيمهم صغيرا وأميرهم أسيرا، يحسبون أنهم منا ناجون أو متخلصون، وعن قليل سوف تعلمون علام تقدمون، وقد أعذر من أنذر».
ثم فى سنة سبع وخمسين وستمائة كان صاحب مصر «المنصور على ابن المعز» صبيا، والأمير «سيف الدين قطز المعزى» مملوك أبيه، وقدّم «الصاحب كمال الدين بن العديم» إليهم رسولا يطلب النجدة على التتار، فجمع قطز الأمراء والأعيان، وحضر الشيخ «عز الدين بن عبد السلام» وكان هو المشار إليه فى الكلام، فقال: إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم، بشرط أن لا يبقى فى بيت المال شئ، وأن تبيعوا ما لكم من الحوائص والآلات، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، ثم بعد أيام قبض «قطز» على أستاذه المذكور، وقال: هذا صبى والوقت صعب ولا بد أن يقوم رجل شجاع ينتصب للجهاد، وتسلطن «قطز» ولقب بالملك المظفر، وخرج بجيوشه فى شعبان سنة ثمان وخمسين إلى الشام لقتال التتار وجاويشه «ركن الدين بيبرس البندقدارى»، وكان التتار قد قطعوا الفرات وجاسوا ديار بكر والموصل وقتلوا ونهبوا وأخربوا، فالتقى الجمعان عند عين جالوت يوم الجمعة خامس عشر رمضان، وأمر المظفر أن يحملوا عند الزوال حملة رجل واحد بالسيوف، والمسلمون على منابرهم يدعون لنا بالظفر، وكان عسكر المسلمين عشرين ألفا، والتتار لا يحصى لهم عدد، ووقع القتال بينهم وكان يوما مشهودا، وصبر المسلمون صبر الكرام وباعوا أنفسهم لله، ولم يزل السيف يعمل بينهم حتى سالت الدماء على وجه الأرض، ولله در «ركن الدين بيبرس» قد فعل الأفاعيل العظيمة يقلب الميمنة على الميسرة والميسرة على الميمنة، والملك المظفر يحرض المؤمنين على القتال، وقد سل سيفه وقاتل قتالا شديدا، وألقى الله الصبر على المسلمين