للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتن وشرور وغلاء ووباء كثير، وقد طرق بلاد الشام فيها الأمير تيمور لنج، فخربها كلها وحرقها وعمها بالقتل والنهب والأسر، حتى فقد منها جميع أنواع الحيوانات، وتمزق أهلها فى جميع أقطار الأرض، ثم دهمها بعد رحيله عنها جراد لم يترك بها خضراء، فاشتد بها الغلاء على من تراجع إليها من أهلها فشنع موتهم، واستمرت بها مع ذلك الفتن وقصر مدّ النيل حتى شرقت الأراضى إلا قليلا، فباع أهل الصعيد أولادهم من الجوع، وصاروا أرقاء مملوكين، وشمل الخراب الشنيع عامة أرض مصر وبلاد الشام من حيث يصب النيل من الجنادل إلى حيث مجرى الفرات. انتهى.

ونقل «دساسى» عن كتاب «السلوك» لتقى الدين المقريزى من حوادث سنة ست وتسعين وسبعمائة، صورة كتاب أرسله تيمور لنج إلى ملك مصر الظاهر برقوق يتضمن الإرعاد والإبراق، وتنكر قتل رسله، لا بأس بايراده هنا لما فيه من الفائدة مع مناسبته لرسائل هلاكوقان المارة، ونصه:

﴿قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ (١).

اعلموا انا جند الله مخلوقون من سخطه مسلطون على من حلّ عليه غضبه، لا نرق لشاك ولا نرحم لباك، قد نزع الله الرحمة من قلوبنا فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا، ومن جهتنا قد خربنا البلاد وأيتمنا الأولاد وأظهرنا فى الأرض الفساد، وذلت لنا أعزتها وملكنا بالشوكة أزمتها فإن خيل ذلك على السامع وأشكل، وقال فيه إنه عليه مشكل، فقل له إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وذلك لكثرة عددنا وقوة بأسنا، فخيولنا سوابق ورماحنا خوارق وأسنتنا بوارق وسيوفنا صواعق وقلوبنا كالجبال


(١) سورة الزمر آية (٤٦).