فلما كبر رقم هذه الآية فى خاتم فختم كتبه به، فكان ذلك من لطائف الاتفاق. ولما ولد بمكة المعظمة كما ذكر وضعه أبوه برهة على عتبة الكعبة المكرمة، وغسل بدنه بماء زمزم تبركا، ثم رجع به إلى مصر صغيرا، ثم توفى عنه والده وهو صغير لم يبلغ الحلم، فنشأ يتيما عند بعض أقرباء أبيه من السادة العلوية، فأتم قراءة القرآن المجيد، وحفظه وجوّده، واستمر.
على قراءته مدة يختمه فى اليومين والثلاثة ختمة، ثم اشتغل بطلب العلم فى الجامع الأزهر وتلقّى العلوم المتداولة به كعلوم العربية والفقه والحديث والتفسير والعقائد والمنطق عن أعلام علمائه؛ كالشيخ إبراهيم السقّاء، والشيخ محمد عليش، والشيخ حسن البلتانى، وغيرهم إلى أن دخل فى خدمة الحكومة بقلم التركى فى الديوان الكتخدائى أوائل جمادى الأولى سنة ١٢٦٧ بمرتب مائة قرش، واستمر على طلب العلم بالأزهر كل يوم قبل ذهابه إلى الديوان وبعد إبابه منه، إلى أن كثرت أشغاله، فاشتغل بالمطالعة أحيانا وحده. وأحيانا مع شيخه السيد على خليل الأسيوطى.
ثم انتقل من الديوان المذكور إلى المحافظة ثم إلى الداخلية بوظيفة مترجم، إلى أن التحق بالمعية الخديوية أيام حكومة سعيد باشا المرحوم، فاستمرّ بها فى خدمة الكتابة بقلم التركى تارة، وبالعربى تارة، إلى أن توفى سعيد باشا سنة ١٢٧٩، وخلفه على الحكومة إسماعيل باشا الخديو السابق، فرحل معه إلى الآستانة لما مضى إليها لاستلام تقليد الولاية وأداء الشكر للحضرة السلطانية، ثم حضر معه واستمر فى خدمته بمعيته، وسافر إلى إسلامبول مرارا فى مأمورية الكتابة مع الحرم الخديو والجناب الخديو وبعض مأموريات أخرى، ورقّى إلى رتبة بيك المعروفة بالرتبة الثانية فى أول سنة ١٢٨٢.
ثم عيّن فى سنة ١٢٨٤ من طرف الخديو المشار إليه لمأمورية ملاحظة الدروس المشرقية؛ أعنى العربية والتركية والفارسية بمعية أنجاله الأماجد وهم: أفندينا الخديو المعظم توفيق باشا، وأخواه الماجدان حسين باشا وحسن باشا، والأمير المعظم إبراهيم باشا ابن عمهم، والمرحوم طوسون باشا ابن المرحوم سعيد باشا بأمر من الحضرة الخديوية الإسماعيلية، وخطاب من لدنه للحضرة التوفيقية يذكر فيه أنه عيّنه لهذه الوظيفة مع احتياجه لبقائه فى معيته، فآثرهم به لفرط اعتنائه بتقدمهم فى التعلم، ويحثهم على أن يقدروا هذه العناية والرعاية حق قدرها، ويجدوا