وكانت دار إقامة حاكم تحت يده جماعة من الجنود المحافظين، وقد صارت الآن قرية صغيرة بها سوق وجامع وخراب كثير، وفى السابق كانت محطة للنطرون الذى يجلب من وادى النطرون.
وفى أول حكم المرحوم العزيز محمد على باشا التزم بالنطرون رجل طليانى اسمه (يافى)، وكان قبل ذلك مستخدما فى بلاده بديوان ماليتها، فهرب من هناك لفتنة حصلت، وكان من أهل العلوم والمعارف، فحفه العزيز بأنظاره وأعطاه رتبة أميرلاى، وعرف بين الناس باسم (عمر بيك)، فأخذ فى تدبير أمر مصلحة النطرون وتحسين طرق استخراجه، وسكن تلك القرية ولاذ به جماعة من أبناء جنسه وسكنوا بها معه، فحصل لتلك المصلحة رواج عظيم، ورغبت التجار فى التجر فى النطرون، وصار فرعا مهما من فروع الحكومة بعد أن كان غير متلفت إليه، كما ذكر ذلك (الدوك دوراجوس) فى سياحته، وقد تكلمنا على النطرون بأبسط عبارة فى الكلام على وادى هبيب.
وقد وجدت فى كتاب فرنساوى مترجم لكتاب أبى/عبيد الله البكرى الأندلسى المؤرخ، ولادته فيه بسنة ثمان وعشرين ومائة، ووفاته فى سنة أربع وتسعين ومائة، ذكر الطريق المسلوك فى ذاك الوقت من الطرانة إلى بلاد المغرب، فأردت إيراد ذلك لما فيه من الفائدة، فحاصله أن من الطرانة طريقا توصل إلى (المنا)، وهو موضع فيه ثلاث بلاد خراب، وبعض أبنيته باقية إلى الآن، منها جملة قصور فى صحراء من الرمل، متسعة متينة البناء عالية الأسوار، ويسكن بعضها الرهبان، وبالمنا آبار عذبة الماء قليلته، ومن المنا إلى مينا وهى كنيسة كبيرة تشتمل على تماثيل وتصاوير كثيرة عجيبة، ولا تطفأ قناديلها ليلا ولا نهارا وفيها قبة بها صورة رجل راكب على جملين، واضع كل رجل على جمل وإحدى يديه مفتوحة والأخرى مضمومة، وكل ذلك من حجر مرمر، ويقال أنه تمثال أبى مينا، وبإحدى جهات الكنيسة جامع للصلاة، وحولها كثير من أشجار الفاكهة، مثل الخروب والجوز والكرم، ويقال أن سبب