بنائها أنه كان فى موضعها قبر بقربه قرية فيها رجل أعرج، اتفق أنه ند (١) له حمار، فخرج يبحث عنه فمر بذلك القبر وبعد قليل وجد حماره، ورجع إلى منزله وقد شفى من عرجه، فشاع فى القرية أن ذلك من بركة صاحب القبر، فهرعت المرضى لزيارته فحصل لجميعهم الشفاء، فلما بنيت الكنيسة انقطع ذلك، ثم من هذا الموضع إلى ذات الحمام، وهو موضع به سوق وجامع بناه (زيادة الله الأغلبى) فى عوده من المشرق إلى إفريقية، وتجاه الجامع بئر عذبة المياه كثيرته، وفى ضواحى هذه القرية صهاريج وبساتين كثيرة، وقلعة يقيم بها عسكر من طرف صاحب مصر، ويقال أن ماء هذا الموضع يورث الحمى، ولذلك سميت بذات الحمام، والعرب الرحالة يقولون: اللهم احفظنا من الحجاز وغلاها، ومصر ووباها، وذات الحمام وحماها.
وبين الإسكندرية وذات الحمام كما قال (الإدريسى)، ثمانية وثلاثون ميلا، وقال (برت) السياح أن بئر الحمام فى الجنوب الغربى للإسكندرية، على بعد أربعة وثلاثين ميلا من الأميال التى كل ستين منها درجة أرضية، ثم من ذات الحمام إلى الحنية، وهى موضع آخر اسمه من اسم قبة قائمة هناك فى وسط الرمل، ويفصلها عن البحر تل، ويقال أنها كانت أحد أبواب الإسكندرية فلذا ظن بعض الناس أنها محل قرية بوصير المعروفة الآن ببرج العرب، مع أن البعد بين الحنية والإسكندرية اثنان وسبعون ميلا، وبين الإسكندرية وبوصير على ما ذكره الإدريسى عشرون ميلا، فليست الحنية محل بوصير، وحول الحنية عائلات من عرب مزاتة يسكنون فى أخصاص من النبات، وبينها وبين ذات الحمام حجر من الرخام الأسود تقول العرب أنه سفرة فرعون، وهو الآن غطاء لصهريج يسمى (التيس)، ثم من الحنية إلى الكنائس وهو موضع يقال له: رأس الكنائس، وهى ثلاث متخربة بقربها جبل آبار قيس،