وفى هذا الوادى التربة التى تستعمل فى تخمير العسل، وقد ذكرها (ابن البيطار) فى مفرداته فقال: إنها تسمى بالفارسية (جوزجندن)، وبالعربية شحم الأرض، وتسمى فى مدينة برقة (خرء الحمام)، وأهل الأندلس يقولون لها تربة العسل، وقال (إسحق بن عمران): إنها تربة تتركب من حبوب تشبه حب الحمص بيضاء ذات صفرة، بها يخمر العسل، وقال (ابن جلجل):
(جوزجندن): كلمة فارسية معناها تربة العسل، تستعمل فى الصيف لجعل العسل مربى، ويؤتى بها من قرية (زاب) من بلاد القيروان، وتسمى أيضا تلك القرية (زيبان)، وهى غير زاب الذى هو نهير يصب فى بحر الدجلة، وقال (الرازى): إن هذا الشراب أى هذا المربى حار رطب يزيد فى المنى ويورث السمن، وفى كتاب (الطلاسم) أن هذه التربة تسمى فى مدينة برقة (خرء الحمام)، وفى بغداد (جوز جندن) وإن وضع منها ربع كيلجة وهى ثلاثة أرطال وثلاثة أرباع رطل، على عشرة أرطال من العسل، وثلاثين رطلا من الماء الحار، وجعل فى إناء وقفل عليه وحرك قليلا، امتزج فى الحال وصار مشروبا جيدا، وقال بعض النباتيين من الإفرنج: إنه يسيل من شجر يسمى اجراسينا منجوستانا، ثم يجمد ويصير أصفر لزجا، وأنكر ذلك مترجم كتاب البكرى لعدم وجود هذه الشجرة فى إفريقية، وقال: إنه ربما كان نوعا من المن.
ثم من برقة إلى اجدابية وهى مدينة فى الصحراء أرضها حجرية، بها بعض آبار نقر فى الحجر جيدة الماء وبها عين عذبة، ونخلها قليل وبساتينها صغيرة، وبها شجر الآراك دون باقى الأشجار، وجامع حسن بناه (أبو القاسم ابن عبد الله)، منارته مثمنة الشكل، وبها حمامات وفنادق وأسواق، وأهلها أصحاب يسار، وجميعهم أقباط وفيهم قليل من عرب لواتة، ولها مينا فى البحر تعرف بالمحور بعيدة عنها بثمانية عشر ميلا، ولها ثلاث قلاع، قال ومدينة اجدابية خراب الآن، يعنى سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وألف مسيحية، وقد تنوسى اسم ميناها، وكانت سقوف منازلها قبابا من الطوب لمقاومة الرياح