محطتهم على ستة أميال من المدينة، فقابله بعض فرسان من طرف (عقبة) حالوا بينه وبين أتباعه، وأنزلوه عن ركوبته وأجبروه على أن يمشى على قدميه، ففعل، وكان رقيق المزاج فتأثر من المشى، وما وصل حتى صار يطفح دما فسأل عن سبب معاملته بهذه المعاملة مع أنه مطيع داخل فى الإسلام، وآت إليهم مختارا، فقال له عقبة: هذا يذكرك ألا تطمع فى محاربة العرب، وبعد أن ضرب عليه ثلاثمائة وستين من الرقيق كل سنة، سار بلا مهل إلى قصور فيزان واستولى على جميعها، وسأل عما بعدهم من البلاد فقيل له: قلعة (جوان) على رأس جبل فى حدود الصحراء وهى قصبة بلاد (كوار)، فسار حتى وصل هذه القلعة بعد خمسة عشر يوما، فحاصرها شهرا كاملا ولم يبلغ منها اربه فتركها، وسار إلى ما حولها من القلاع واستولى عليها واحدة واحدة، وقد أتى إليه جيشه بملك (كوار) فقطع له إصبعا/، فسأل عن السبب، فقال له: إنك كلما نظرت إلى إصبعك لا تطمع فى محاربة العرب، ثم ضرب عليهم الجزية ثلثمائة وستين رأسا من الرقيق، وسأل عما بعدهم من البلاد، فقالوا: لا علم لنا، فرجع إلى (جوآن) ولم يقم، وسار منها مسافة ثلاثة أيام، ونزل بجيشه فى موضع ليس به ماء وقد اشتد بهم العطش، حتى أشرفوا على الهلاك، فصلى بهم صلاة الاستسقاء ودعا الله تعالى، فما أتم صلاته ودعاءه إلاّ وقد حفر الحصان برجله فظهرت صخرة نبع منها ماء، فأمر عقبة بحفر الأرض فخرج ماء عذب جيد، فشربوا واستقوا، فسمى ذلك الموضع ماء الفرس إلى اليوم، ومن هناك رجع عقبة إلى مدينة (جوآن) من طريق غير التى سلكها، ودخل ليلا والناس نيام فقتل الخفر، واستولى على النساء والأطفال والأموال، ثم رجع إلى زويلة واجتمع بباقى عسكره بعد أن غاب عنهم خمسة أشهر، وقام بهم متوجها إلى المغرب وكان لا يتبع فى سيره طريقا مطروقا، ودخل أرض (مزاتة) واستولى على جميع قلاعها، ثم سار إلى (قفصا) و (قسطيليا)، وبعد أن استولى عليهما عاد إلى القيروان، انتهى.