فى منتصف الطريق بين طرابلس وودّان، وعرضها الشمالى ثلاثون درجة وسبع وثلاثون دقيقة.
وفى سنة ثمان عشرة وثمانمائة وألف مسيحية وصف هذه الجهة أحد السياحين، فقال: لما وصلت (غرزا) لم أجد بها إلا بعض بيوت، وبقربها على سفح الجبل رأيت بعض قبور قليلة الاعتبار، وببعضها أعمدة غير متناسبة الأجزاء، وعليها نقوش رديئة وتصاوير الإنسان والحيوان غير متقنة الصنعة، لم ينشأ رسمها عن ذى معرفة.
ثم قال مترجم البكرى: والقرابين المتقدم ذكرها، جارية فى بقعة فى جنوب طرابلس على مسافة أيام قلائل، ومن هذا الصنم إلى ودّان ثلاثة أيام، وفى وقت محاصرة (عمرو بن العاص) لمدينة طرابلس فى سنة ثلاث وعشرين من الهجرة واستيلائه عليها، أرسل (بشر بن أرطاة) إلى ودّان، فاستولى عليها وضرب على أهلها الخراج، قال (ابن عبد الحكم) مؤرخ القرن الثالث من الهجرة: إنهم رفعوا لواء العصيان وأبوا دفع الخراج، فتوجه (عقبة بن نافع الفهرى القرشى) إلى المغرب، وكان قد سبقه إليه (معاوية بن خديج) و (بشر ابن أرطاة)، و (شريك بن سهيم) أمراء من قبيلة (مراد) فساروا جميعا إلى غدمس من أرض الصرت، فنزل بها جزء من الجيش فى إمرة (الزبير بن قيس)، من قبيلة (بلىّ)، وسار إلى ودّان فى أربعمائة فارس وأربعمائة جمل وثمانمائة قربة ماء، فلما وصلوا إلى ودّان تغلبوا عليها وقبضوا على ملكها وقطعوا إحدى أذنيه، فسألهم عن سبب قطع أذنه مع أنه معاهد للمسلمين، فقال له عقبة: هذا يذكرك كلما وضعت يدك على أذنك المقطوعة، أنك لا تطمع فى حرب العرب، ثم استولوا منه على ثلاثمائة وستين رأسا من الرقيق التى ضربها عليهم (بشر)، ثم إن عقبة سأل الأهالى عما بعدهم من البلاد فقالوا:(جرما) تخت بلاد فيزان، فسار إليها فوصلها بعد ثمان ليال، واستولى عليها وأمرهم بالإسلام فقبلوا، وخرج ملكهم لزيارة أمراء العرب، وكانت