وتارة يقيم به الأيام، وغرس بقربه بستانا شحنه بالنخل وأنواع الأشجار، وحفر فيه آبارا ركب عليها السواقى، وكان إيجار الجنينة عشرة دنانير تؤخذ للديوان، ثم ترك هذا الإيراد لرهبان الدير، فأمكنهم بذلك إنشاء معصرة للزيت، ورمموا بعض المبانى، وكان للدير سبعة وأربعون فدانا استولت عليها العساكر (زمن صلاح الدين)، وقسمت بين الأكراد وغيرهم، وكان فى الكنيسة جثة (مارى بغنوس) رئيس هذا الدير، وفى كل سنة كان يعمل له عيد فى الخامس عشر من أمشير، وكان به تمثال للعذراء، وقد أهدى الشيخ (أبو يمن) للكنيسة جملة فضيات، منها مبخرة وصليب وشمعدانات وستارة من الحرير، وفى ضواحى هذه المدينة كنيسة جميلة باسم (بوجرج)، وأخرى باسم (العذراء) وكنيستان أخريان.
وفى خطط المقريزى فى الكلام على الكنائس، ما نصه أن كنيسة دموه أعظم معبد لليهود بأرض مصر، فإنهم لا يختلفون فى أنها الموضع الذى كان يأوى إليه (موسى بن عمران) صلوات الله عليه، حين كان يبلغ رسالات الله ﷿ إلى فرعون مدة مقامه بمصر، منذ قدم من (مدين) إلى أن خرج ببنى إسرائيل من مصر، ويزعم يهود أنها بنيت هذا البناء الموجود بعد خراب بيت المقدس الخراب الثانى على يد (طيطش) ببضع وأربعين سنة، وذلك قبل ظهور الملة الإسلامية بما ينيف عن خمسمائة سنة، وبهذه الكنيسة شجرة زيزلخت فى غاية الكبر، لا يشكون فى أنها من زمن (موسى)﵇ ويقولون أن (موسى)﵇ غرس عصاه فى موضعها فأنبت الله هناك هذه الشجرة، وأنها لم تزل ذات أغصان نضرة وساق صاعد فى السماء مع حسن استواء وثخن (١) فى استقامة، إلى أن أنشأ الملك (الأشرف شعبان بن حسين) مدرسة تحت القلعة، فذكر له حسن هذه الشجرة فأمر بقطعها لينتفع بها فى العمارة، فمضوا إلى ما أمروا به من ذلك، فأصبحت وقد تكوّرت وتعقفت وصارت شنيعة