من هذه المدينة إلى مدينة عين شمس، فكان طوله ثلاثين فرسخا، يمنع به عن مصر دخول العدو من هذه الجهة، ومع ذلك فقد دخلها (كمشاش) ملك الفرس وأغار عليها وجلس على تختها بعد أن قتل ملوكها وأهان أمراءها، كما أن ما بناه قياصرة القسطنطينية على مدينتهم من الأسوار والحصون المنيعة، لم يردّ عنها إغارات أعدائها، وكل ذلك دليل على أن القوة والمنعة ليست مرتبطة بالقلاع والحصون فقط، بل أعظم القوة والبأس إنما هو فى تربية الرجال، وتدريبهم على القتال، وكثرة العدد والمدد.
ويستفاد من كلام المؤرخين، أن رخاوة حاكم الديار المصرية فى آخر مدة الفراعنة، وإهماله القوانين والعوائد القديمة التى كانت عليها الطائفة العسكرية، أوجبت مفارقة مائتى ألف من العساكر المصرية أرض مصر وسكناهم خلف الشلال، فمن ذلك ضعفت حكومة مصر ولم تتمكن من رد الفرس عنها، وانكسرت شوكة الفراعنة، وصارت مصر فى أيدى الأغراب.
وذكر هيرودوط أن طائفة العسكرية فى زمن (سيتوس) لم تكن محترمة كما كانت قبل، بل احتقرهم ونزع من أيديهم الإثنى عشر أرورا من الأرض التى خصصها لهم الملوك السابقون، فحنقوا عليه وامتلؤا غيظا، ولما أغار (سنقريب) ملك العرب والعراق على بلاد مصر بجيش جرار، امتنعت العساكر من أن تقاتل معه، فدخل الملك سيتوس المعبد وصار يكثر النحيب والتضرّع للإله، وبينما هو كذلك إذ أخذته سنة من النوم، فرأى البشارة من الإله، وأنه لا بأس عليه من ملاقاة الأعداء، فقام منشرح الخاطر وسار إلى مدينة الطينة بمن أطاعه من الناس، وكانت الطينة وقتئذ مفتاح مصر فأقام بها ولم يكن معه أحد من العسكر وحاصر على نفسه، وأعداؤه كذلك حاصروا على أنفسهم، ففى ذات ليلة سلطت فئرة كثيرة على جيش العدو، فأتلفت عليهم آلات السلاح من نحو الأوتار والدرقات حتى أصبحوا بلا سلاح، فارتحلوا هاربين بلا