نصف فدان وشئ، فكان لكل عسكرى هذا القدر غير ما كانوا يعطون من طرف الملك حين تعينهم للمحافظة.
ولما دخل هيرودوط أرض مصر، بعد وقعة الفرس بسنين قليلة، سار إلى مدينة الطينة فشاهد فى محل المعركة جماجم القتلى وعظامهم، فى هيئة تلول من عظم، فكانت عظام الفرس فى معزل عن عظام المصريين، لأن المصريين فصلوها عن عظام موتاهم بعد انفصال القتال، وقالوا: إن جماجم الفرس كانت تتفتت بأدنى صدمة بخلاف جماجم المصريين فكانت تقاوم صدمة الحجر، وقيل لى فى سبب ذلك: أن الفرس يغطون رؤسهم من حين الصغر، بخلاف المصريين فإنهم يحلقون رؤسهم، ويتركونها مكشوفة تفعل فيها الشمس والهواء فتكتسب الصلابة من ذلك.
وقد استولى (اسكندر المقدونى) أيضا على هذه المدينة، وطرد الفرس عنها وعن سائر بلاد القطر، وفى زمن البطالسة تغلب عليها (أنطوان) رئيس الخيالة الرومانية، وبأمر الجمهورية سلمت إلى (بطليموس أوليت) بمساعدة (بومبيوس)، ومع ذلك فلم يراع له بطليموس المذكور حقوق هذه المنة العظيمة، بل لما هرب بومبيوس بعد وقعة فرسال ودخل الطينة ملتجئا إلى بطليموس احتال على قتله، وقتله هناك كما هو مشهور، وكثيرا ما لاقت مدينة الطينة من الحروب زمن الرومانيين واليونان والعرب، أهوالا ومصائب من نهب وسلب وقتل، ومع ذلك فكانت عامرة آهلة ذات أهمية إلى حرب القدس، فأغار عليها أمراء النصارى ونهبوها مرارا، فضاقت على أهلها الأرض بما رحبت، ثم ولوا عنها وفارقوها إلى دمياط وغيرها، وخربت من هذا الحين، ولم يبق بها غير قلعة من مبانى العرب تعرف بقلعة الطينة، كانت مبنية فى فم بحر الطينة لمنع دخول المراكب بها، وبها تل عال فيه سور مربع الشكل وبجهته البحرية باب يفتح على البحر، والظاهر أنه من أبنية الإسلام، وبقرب هذا التل، تل آخر تسميه العرب القصر، ولعله كان هو محل القلعة القديمة.