عمله، كما يدلان على علو درجة المصريين فى الصناعات والعلوم، يدلان أيضا على أنهم فى وقت دخول العرب أرض مصر، كانوا فى أعلى درجة من الثروة والأبهة، وذلك أن هؤلاء العرب لم يتركوا بناء من غير أن يخربوه، فتارة يمحى أثره بالكلية، وتارة تبقى منه بقية، وكان ذلك دأبهم خمسة قرون متوالية، وبعد نزع الأرض من أيديهم حدثت مبان وشيدت سرايات ومعابد فاخرة لم تزل آثارها باقية إلى الآن يتعجب منها كل من رآها، ففى المدة التالية لخروجهم من مصر، حصل الإعتناء والدقة فى المبانى والزينة والزخرفة، وكثرت الرغبة فى الرونق والبهجة، بخلاف المدة التى تلت ذلك، فإن الرغبة كانت فى العظم والمتانة فقط، وهذا بخلاف المعهود الجارى على طريق العادة فى الحرف والصنائع، من أن الرغبة فى المتانة تكون أولا ثم الزخرفة تكون بعد ذلك، والحق أن مدة العظم الأكبر، وهى وقت بناء الأهرام وأبى الهول الموجود تحت الهرم الكبير الذى هو على صورة طوطمزيس الثالث، كانت سابقة على مدة الزخرفة المذكورة، وهذا ينتج أن الناس فى ذلك الوقت كانوا يرغبون فى التعظيم أيضا، لأنه قد عمل إذ ذاك تماثيل هائلة، وأمور أخر مثل المسلة الموجودة فى رومة، فإنها تعزى إلى هذا الفرعون، وكذا سرايته المسماه باسمه، فهذه أبنية لو قورنت بغيرها لفاقته عظما، ما عدا إيوان الكرنك فإنه ليس هناك بناء يقرب منه.
ثم إنه كان بإحدى زوايا هذه السراية، قاعة تسمى قاعة الكرنك، قد نقلت إلى باريس بعد العناء الشديد والمشقة الزائدة، بواسطة أحد السياحين الفرنساوية، ويقال أن (لبسيوس البروسيانى) بحث عنها وكان قصده نقلها إلى وطنه لتحفظ به، ولا تكون عرضة لغائلات الدهر، وعلى جدرانها صورة فرعون مصر طوطموزيس الثالث يقدم قربانا لعدة من الملوك السابقين عليه، وصورا أخر وكلها ملحقة باسمه، فهى أثر من الآثار الجليلة دال على أسماء فراعنة