وحسبك من بقاياها ما تراه فى خبايا زواياها من بدائع الأسرار المرموزة فى روائع الآثار المكنوزة، التى سارت بأحاديث فضلها مطايا الأيام فهى نجائب، وعقمت عن إنتاج مثلها حبالى الليالى التى تلد العجائب، فهى أحدوثة الزمان وأعجوبة الإمكان، وبكر الفلك الدائر ويتيمة الدهر الداهر، وقد طالما حاولت يد الزمن الغالب أن تعفى آثارها وطاولت همم المتغلبين عليها من الملوك الأجانب دمارها، فلم تزل منها بقية يغالبهم إفناؤها، ويعاندهم بقاؤها، حتى شلّت عنها أيادى الأعادى، وملّت منها غوادى العوادى، وحتى خضعت لديها أرباب الأفكار العالية، وتقطّعت عليها رقاب الأعصار الخالية، وحتى لقد هرمت الأيام وهى متباهية بشبابها، وتصرّمت الأنام وهى باقية بين أترابها، ناطقة ببراعة عبارتها، شاهدة فى إشارة حسن شارتها، شاهدة لمصر بما لها من قدم المجد المؤيد، وقدم الصدق فى السبق إلى كل سئودد.
على أنها لو جحد الخصم دعواها وهيهات، وطالبها خصمها فى محافل الفخر بإثبات ما فات، لكفاها أن تقيم شاهديها الكريمين من هرميها الهرمين، فيخبرا بما كان من قبل الطوفان، ويشهدا بما علم من فضلها، وما كان من مجد أهلها، وأنهم كانوا أثبت الناس فى التمدّن قدما، وأسبقهم إلى التفنن قدما، وأطولهم فى محاسن الفضائل باعا، وأميلهم إلى محاسن الشمائل طباعا، ثم تناولتها الأيادى المتطلبة وتداولتها الأعادى المتغلبة فندّدوا أهلها، وبدّدوا شملها، وأتلفوا ما استطاعوا من تلك المعالم، وتفنّنوا فى أنواع المظالم، حتى أصبح مزاج الفضل بها فاسدا، وسوق العلم فيها كاسدا، وربع المعالى خاليا، وبيت الأمانى على عرشه خاويا.
ولم تزل كذلك إلى أن انتهت إلى المرحوم محمد على علىّ الشان، سقى الله تعالى ضريحه سحائب الغفران، وأحل روحه رياض الرضوان، فخلّصها من مصاعب المصائب، واستخلصها من نيوب النوائب، وصيّرها موطنه ومأمنه وحماه، ومنع جانبها من صنوف الصروف وحماه، وبذل الجد فى لم شعثها، ولم يأل جهدا فى تسهيل دعتها، وأعاد ما سلب الفقر من نضارة نضارتها، ورد ما غصب الدهر من غضارة حضارتها، حتى زهيت بحسن علاها وحلاها، ونسيت ما كان من بلائها وبلاها … إلى آخره».
ومن كلامه مقالة تليت يوم توزيع المكافآت على تلامذة المدارس والمكاتب بحضور الخديو السابق إسماعيل باشا المعظم، تلاها أحد التلامذة بحضوره، وقد جعل فى أثناء المقالة أبياتا مرتبة فى مواضع منها فكلما وصل التالى إلى موضع ترنم بما فيه من النظم جماعة من التلامذة بألحان معجبة وأنغام مطربة. صنع ذلك حسب الاقتراح. والمقالة المذكورة هى هذه قال: