للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن إنشائه مقدمة نبذة له فى محاسن آثار الداورى المعظم محمد على الكبير وأخلافه قال:

«بك اللهم نستفتح باب النجاح، ونستمنح أسباب الفلاح، وبالثناء عليك بجلائل أسمائك نستوهب المزيد من جزائل نعمائك، وباستدعاء صلات صلاتك على خير الشفعاء لديك نتقرب به، ونستشفع به إليك، فإنه أكرم الخلق عليك، باسطين على أبوابك أكفّ السؤال، متوسلين إلى جنابك ببضاعة الرجاء، وضراعة الابتهال. أن تديم دولة أمير المؤمنين وأمين أمور المسلمين، خليفة رسولك الأمين على من استرعيته من العالمين، وتعزّ به الملك والدين أبد الآبدين، وأن تمتع بطول الدوام وحصول المرام حضرة عزيز مصرنا وغرّة وجه عصرنا، وتحفظ له أنجاله الأمجاد، وتبلغه من حسن أمرهم ما أراد، وأن تديم توفيقه لما فيه صلاح حالنا ومآلنا، ونجاح أعمالنا وآمالنا، وفوز أوطاننا بأوطارنا، وسمو أقدارنا بأقطارنا، وأن تعين أمراءه وعمّاله وأمناءه على معاضدته فى أعماله الناجحة، ومساعدته على آماله الراجحة وأن توزعنا شكر نعمك، وتودعنا برّ كرمك، وتهدينا سبيل الرشاد، وتوفقنا للخير والسداد كى نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا.

وبعد، فلما كان التحدث بالنعمة طاعة، والشكر عليها واجبا على قدر الاستطاعة، كان علينا أن نحلى بنان البراعة، ونطلق فى ميدان البلاغة عنان اليراعة بذكر ما أنعم الله به على هذه الديار السعيدة الجد فى عهد عزيزها الأسعد ووالده الماجد، وجده الأمجد.

وقد أفادت التواريخ العظيمة بإجماعها، وشهدت الآثار القديمة بلسان إبداعها أن هذه الديار كانت فى سالف الأعصار قدوة الأمصار فى المجد والفخار، وكعبة الفضل التى يحجها كل ناجب من كل جانب، ومدينة العلم التى يقصدها كل طالب من الأجانب، ليستفيدوا من أهلها عوارف معارفهم، ويستزيدوا فى طرائف لطائفهم، ويتعلموا عليهم ما لم يكن إلا لديهم من الصنائع العجيبة والبدائع الغريبة، فهم الذين سهّلوا سبل البراعة لسالكيها، وذللّوا أعنة الصناعة لمالكيها، على حين كان غيرها لم ينشق عن صبح المعارف ظلامها، ولا انزاح عن وجه التمدّن لثامها، فكانت مصر أم الدنيا تقدّما وتقديما، وأهلها آباء الناس تربية وتعليما، وكان الكل عيالا عليها، وأطفالا بالنسبة إليها. وناهيك دلالة على فضلها القديم ما حكاه أفلاطون الحكيم أن سولون الفيلسوف الكبير - أحد حكماء اليونان المشاهير - لما قدم إلى مدينة صا الحجر فى إقليم الغربية ليمارس العلوم والمعارف الحكمية، وذلك قبل المسيح بنحو من سبعمائة عام، قال له قسوسها ياسولون إنما أنتم معاشر اليونان بالنسبة إلينا أطفال، ليس فيكم من شيخ يعد فى الرجال … إلى آخر ما قال ..