بنى وقتك. وتوافق أفهامهم، إذا دعتك داعية للإنشاء المصنوع هذا، وأنفع ما أراه ينبغى لك أن تتخذه دليلا يرشدك إلى كل وجه جميل من وجوه الفنون التى تحاول فيها أن تكتب الكتابة الصناعية المناسبة لوقتك الذى تأمل أن تعيش فى رضا أهله عنك، واعترافهم بظهور ما يعود منك عليهم نفعه منشآت الأمير الجليل صاحب الوقت، الذى لو تقدم به الزمان لكان له بديعان، ولم ينفرد بهذا اللقب علامة همذان، عبد الله فكرى بك أطاب الله أيامه، وأعلى كما نرجوه منه تعالى حيث كان مقامه». إلى آخر ما قاله، وأورد جملة من إنشائه ساقها إلى آخر الكتاب يراجعها فيه من أرادها.
ومن إنشائه «المقامة الفكرية فى المملكة الباطنية»، وهى مشهورة طبعت غير مرة. ومن إنشائه من كتاب عن لسان مؤلف هذا الكتاب إلى سلطان باشا المرحوم، حين كان مفتش الأقاليم الصعيدية، يستحثه على ترويج «روضة المدارس» - وهى صحيفة علمية استحدثت إذ ذاك فى ديوان المدارس - قال:
«لا يخفى أن تقدّم الأمة فى طريق التمدّن، ورسوخ أقدامها فى ذروة التمكن إنما يكون بواسطة عظمائها وعلمائها وفضلائها ونبلائها، وهذا إنما يمكن الوصول إليه والحصول عليه بنشر آثار بيانهم، واستفادة العامة من استفاضة أنوار أذهانهم، وهذا أيضا لا يتأتى إلا بالوسائل النشرية، أى بوسائط الصحف الدورية العلمية والخبرية، وهذه إنما تستقيم سوقها وتنفق سوقها بواسطة أعيان الأمة الكرام، وترويجهم لها عند الخاص والعام. وهذا كما يقال تشبيب بعده مديح، وتلويح يعقبه توضيح وتصريح، والغرض من هذه الوسائط المتصلة والوسائل المتسلسلة، إنما هو «روضة المدارس»؛ وهى روضة ابتدئ غراسها، وجنة أنشئ أساسها، فإن ساعدها الإقبال بإقبال سعادتكم عليها وتوجيه نظر أولى العوارف والمعارف إليها رويت بماء الفضل والإفضال وانتعشت بنسمات الكمال والجمال، فعند ذلك تتنوع أشجارها وتتضوع أزهارها وتينع ثمارها، وتثبت أصولها، ويكثر محصولها، وتتّسع مزارعها، وتعم الأمة منافعها. وإن نالها من الإغماض سموم الإدبار، وأصابها من الإعراض إعصار فيه نار، خصوصا وهى قريبة العهد بالوجود، عاطشة لماء الفضل والجود، ذبلت أغصانها، وذوت أفنانها، وانتثرت أوراقها، وسقطت ساقها. وأنتم أولى من يغار للفضل وأسبابه، وينهض ويستنهض غيره لفتح بابه، لا سيّما وإقليم الصعيد أول ما عمر من هذا القطر السعيد، وقد صار والحمد لله سلطان الفضل به ظاهر، وصادف من العناية العلية الخديوية قوة وناصر، والمرتب فيه الآن من «روضة المدارس» نسختان لا غير، وهو أقل من القليل بالنسبة لمن به من أهل الفطنة