وطول قدمه يزيد على اثنى عشر قدما، والصاعد على ظهره كأنما يصعد فوق صخرة من جبل، وإيوان هذه السراية يظهر منه الرونق والظرف والدقة، وفيه ثلاثة عمد فى غاية الحسن تنشرح النفس عند رؤيتها، وعلى أحد جدرانه أسماء أولاده الذكور الثلاثة والعشرين، وأما أسماء بناته الثلاث عشرة، فوجدت منقوشة فى معبد ببلاد النوبة، وفى جهة أخرى من الإيوان كتابة قرئت فوجدت ترجمتها: هذه السنة الرابعة والستون من سلطنته، وفى هذا دليل على طول عمره، وكثرة فتوحاته ونصراته فى البلاد الشاسعة، وكثرة الجهات التى تغلب عليها وأدخلها تحت طاعته، ومنه أيضا يثبت ما قاله مؤرخو الروم وغيرهم، من شهامته وعظيم سلطانه وسطوته، وصورته مرسومة على أحد أبواب السراية والقسيسون يعظمونه ويقربون له تماثيل ثمانية عشر فرعونا من السابقين، من ذلك تمثال منيس مؤسس ملك الفراعنة، وتمثال رمسيس الثانى يعنى تمثال نفسه، وقد استدلوا بذلك على أنه قبل زمنه حصل تغلب ثمانية عشر عائلة على تخت الديار المصرية فى مدة ألفين وخمسمائة سنة من جلوس منيس على التخت، وأن عائلته أولى بالجلوس على تخت آبائه وأجداده.
وقال مرييت: إن هذا القبر يسمى الرمسيوم، ويسمى سراية ممنون، وأن بانيه هو رمسيس الثانى، بناه على نسق ما كان يعمل فى الأزمان السابقة، وكتب عليه صفاته ووقعاته وأحواله، ليطلع عليها من رآها بعد موته إلى آخر الزمان، وكان ذلك جاريا فى كثير من القبور، ففى (بنى حسن) قرئ على بعض أحجار قبورها: أن أمينى أمينمها يقول: إنى لما كنت رئيس المشاة تغلبت على النوبيين، ولما كنت مدير مديرية (صا)، كنت شفوقا على الأرامل والأطفال ونحو ذلك، وقد قرئ على جدران الرمسيوم صفة حوادث تاريخية، ووقعات حربية فى بلاد الشام على شاطئ نهر الأردن، وفى إحدى الوقعات أن رمسيس المذكور يحارب جملة قبائل اسمها العام (حطانين)، وأن المدينة